الاَول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده ، والرادع أناسيَّ الاَبصار عن أن تناله أو تدركه.
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولا كان في مكان فيجوز عليه الاِنتقال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار ، من فلز اللجين والعقيان ، ونثارة الدر وحصيد المرجان ، ما أثر ذلك في جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الاَنعام ما لا تنفده مطالب الاَنام ، لاَنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ، ولا يبخله إلحاح الملحين.
فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به ، واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلىاللهعليهوآله وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله سبحانه ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين.
هو القادر الذي إذا ارتمت الاَوهام لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاِعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.
الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه ، من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته ،