الحرم قبلة أعم من أن يكون باعتبار كلّ جزء منهما ، أو باعتبار بعضه.
ولا ينافيه التفصيل ، بجعل الكعبة لأهل المسجد ، والمسجد لأهل الحرم ، والحرم لأهل البلدان ، لانقطاع الشركة بكون بعض أجزاء المسجد والحرم قبلة لغير أهل المسجد ، بخلاف من فيه ، وتعارف مثل ذلك في المحاورات ، فيقال لمن يسافر من الهند للحج : مقصوده الحجاز ، ولمن في الحجاز : مقصوده مكة ، ولمن في مكة : مقصوده البيت ، مع أنّ مقصد الكلّ واحد.
هذا ، مع انقطاع الشركة من جهة أخرى أيضا ، لأنّ من بعد كثيرا يكون جميع أجزاء المسجد والحرم له قبلة ، باعتبار ما ذكرنا من صدق المحاذاة العرفية للكعبة للمحاذي لبعض أجزائهما حقيقة ، بخلاف من في المسجد.
ولا يتوهّم أيضا موافقة أخبارهم للآية ، وهي من المرجّحات المنصوصة ، لما عرفت من جواز كون المراد بالمسجد الكعبة ، مع أنها ـ لدلالتها على أن قبلة الخارج من الحرم الحرم ـ للآية مخالفة ، بل مخالفة تلك الأخبار لها أكثر من مخالفة الأخبار المتقدمة ، كما لا يخفى.
هذا ، مع أنهم إن أرادوا عين المسجد والحرم ، بحيث تجب المحاذاة الحقيقية مطلقا ـ كما هو صريح بعضهم (١) ـ فالآية غير مثبتة لها ، لما عرفت من معنى كون الشيء قبلة. وإن أرادوا الاستقبال العرفي ـ كما يظهر من بعض آخر حيث زاد الجهة (٢) ـ فيتّحد مقتضى هذا القول مع ما ذكرنا في البعيد.
نعم يظهر الخلاف والثمرة في القريب.
وقال جماعة من الأصحاب ، بل لعلّهم الأكثرون ومنهم السيد
__________________
(١) انظر المبسوط ١ : ٧٧.
(٢) كالشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٥ ، وحكاه عن رسالة شاذان في البحار ٨١ : ٧٥.