يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة (١) ، وتعارضهما بالعموم من وجه ، والأصل مع الجواز ، فهو الأظهر ، كما عليه جماعة ممّن تأخّر منهم صاحب المدارك والأردبيلي والخوانساري والمجلسي (٢) ، ووالدي العلاّمة رحمهالله.
ويؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس ، بل إجماع المسلمين ، حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب ـ المعمولة من الصوف والوبر والشعر من الفراء والسقر لاب ، وما عمل لغمد السيف والسكين ـ ممّا يؤكل جزما ، ومع ذلك يلبسها ويصاحبها الناس من العوام والخواص في جميع الأمصار والأعصار ويصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار ، بل لولاه لزم العسر والحرج في الأكثر.
وتدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه (٣).
بل لنا أن نقول : إنّ قوله في الموثّقة : « كلّ شيء حرام أكله » يتضمّن الحكم التكليفي ، فيقيّد بالعلم قطعا ، أي كلّ شيء علمت حرمة أكله ، إذ لا حرمة مع عدم العلم ، بل نقول : إنّ ما حرم أكله ليس إلاّ ما علمت حرمته ، لحلّية ما لم يعلم حرمته ، كما يأتي في بحث المطاعم.
ثمَّ إنّ ذلك إنما هو إذا أخذ من يد أحد أو وجد جزء الحيوان ولم يمكن الفحص عن حال الحيوان ، وأمّا لو كان هناك حيوان مشكوك فيه ، فيرجع فيه إلى قاعدة حلّية اللحم وحرمتها مع الشك ، كما يأتي في باب المطاعم والمشارب ـ إن شاء الله ـ مع زيادة بيان لما ذكر أيضا.
الخامسة : إطلاق كثير من الفتاوى وإن يشمل ما لا نفس له أيضا كأكثر
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ٣.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٩٥ ، المدارك ٣ : ١٦٧ ، البحار ٨٠ : ٢٢٢ ، الحواشي على شرح اللمعة : ١٨٧.
(٣) الوسائل ٢٤ : ٢٣٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦٤.