الفصل الأول
في تعيين القبلة
ولنقدّم مقدمة ، وهي : أنّ معنى كون الشيء قبلة ، أنه يجب استقباله ، بحيث يصدق استقباله والتوجّه إليه والمواجهة نحوه عرفا ، وهو أمر يختلف باختلاف قرب المستقبل وبعده منه سعة وضيقا.
فقد تشترط المحاذاة الحقيقية لعينه ، بحيث لو أخرج خط مستقيم من بين عيني المستقبل أو قدميه يقع على عين المستقبل له ، وينتفي صدق التوجّه والاستقبال عرفا بوقوع الخط خارجا عنه ولو بيسير.
وقد لا يضرّ عدم المحاذاة الحقيقيّة بكثير أيضا إذا كثر البعد بينهما. فإنّه لو كانت هناك منارة رفيعة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة ، فإنّ من يكون عندها لا يكون متوجّها إليها ، مستقبلا لها عرفا ، إلاّ مع المحاذاة الحقيقة بالمعنى المذكور ، بحيث لو وقع طرف خط المحاذاة خارجا عنها ـ ولو بيسير ـ ينتفي صدق الاستقبال ، وكلّما بعد عنها يتّسع ميدان التوجّه والاستقبال ، حتّى إنه إذا زاد البعد كثيرا قد يصدق التوجّه العرفي على جميع أشخاص صفّ واحد متوجّه إليها ، يزيد طوله عن مائة ذراع ، مع أنه لا يحاذيها حقيقة إلاّ نحو من أربعة نفر أو خمسة منهم مثلا ، بل يصدق التوجّه على من علم انتفاء التحاذي الحقيقي منه أيضا ، فالمناط صدق الاستقبال والتوجّه العرفيين.
وليس المراد بسعة ميدان التوجّه أنّ المتوجّه إليها لا يخرج عن التوجّه العرفي إليها بالانحراف والميل عنها عرفا ولو يسيرا ، كما يوهمه قول من يقول : أمر القبلة سهل (١). بل المراد أنه لا تشترط المحاذاة الحقيقية بالمعنى المذكور.
وإن أردت تصويره فانظر إلى القمر عند طلوعه عن المشرق ، فإذا واجهت
__________________
(١) كما في المدارك ٣ : ١٢١ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٥٩.