وقوله : الميسور لا يسقط بالمعسور (١) وقوله : ما لا يدرك كله لا يترك كله (٢) ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية ، لا بيانية ، ولا بمعنى الباء ، وظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى ، إلّا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح ، لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد ، ولو سلم فلا محيص عن أنه ـ هاهنا ـ بهذا اللحاظ يراد ، حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحجّ بعد أمره به ، فقد روي أنه خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : (إن الله كتب عليكم الحجّ ، فقام عكاشة
______________________________________________________
أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ولفظة (ما) بحسب هذا النقل زمانية فيكون مدلولها كون المكلف مأخوذا بالأمر بالشيء زمان تمكّنه منه ، ومع الإغماض عن ذلك وسندها لا دلالة لها على قاعدة الميسور ، لا لأن لفظة (من) بمعنى الباء أو بيانية كما قيل ، فإن ظهورها حيث ما تطلق في كونها تبعيضية مما لا ينكر ، ولكن يقال كون التبعيض بحسب الأجزاء غير ظاهر ، بل الظاهر بمناسبة المورد كونه بحسب الأفراد ، فمدلولها أن الحكم الثابت للعام والطبيعي لا يسقط بعدم التمكن من سائر الأفراد ، بل يبقى مع التمكن في بعض أفراده بحاله ، وهذا الميسور ، ولكن لا يخفى كما أن التبعيض بحسب الأجزاء لا يناسب مورد الخبر كذلك التبعيض بحسب الأفراد ، فإنه لا يجب الحج إلّا مرة واحدة حتى فيما إذا كان المكلف مستطيعا في السنوات المتوالية ، بل الظاهر من الخبر على تقدير صحته كون المراد بالاستطاعة ما يتحمله نوع الناس كلفة التكليف بنحو لا يكون شاقا لنوعهم بقرينة قوله «ولو قلت نعم لوجب» ، و «ما استطعتم» فإنه لو كان بمعنى العجز فكيف يجب على مكلف يعجز عن الإتيان بمتعلق التكليف.
__________________
(١) عوالى اللآلي ٤ : ٥٨.
(٢) عوالى اللآلي ٤ : ٥٨.