والجماد (وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي وسخّر لكم الفلك في حال جريها (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي يمنع السماء من وقوعها على الأرض إلا بإرادته ، والمعنى : إلا إذا أذن الله في ذلك بأن يريد ابطالها وإعدامها (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) برأفته ورحمته بهم فعل هذا التسخير ، وأمسك السماء من الوقوع.
٦٦ ـ ٧٠ ـ ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على وحدانيته فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد أن كنتم نطفا ميتة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انتهاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث والحساب ، وفيه بيان : أن من قدر على ابتداء الاحياء قدر على إعادة الاحياء (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) أي جحود ، فإنه مع هذه الأدلة الدالة على الخلق يجحد الخالق (لِكُلِّ أُمَّةٍ) أي لكل قرن مضى (جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) أي شريعة هم عاملون بها عن ابن عباس ، وقيل : مكانا يألفونه وموضعا يعتادونه لعبادة الله ، ومناسك الحج من هذا لأنها مواضع العبادات فيه ، فهي متعبدات الحج وقيل : موضع قربان ، أي متعبد في اراقة الدماء منى أو غيره ، عن مجاهد وقتادة (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) هذا نهي لهم عن منازعة النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : نهي له لأن المنازعة تكون من أثنين ، فإذا وجّه النهي إلى من ينازعه فقد وجّه إليه ، ومنازعتهم قولهم : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنون الميتة ، أي فلا يخاصمنك في أمر الذبح وقيل معناه : ليس لهم أن ينازعوك في شريعتهم وقد نسخت هذه الشريعة الشرائع المتقدمة (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي لا تلتفت إلى منازعتهم وادع إلى توحيد ربك وإلى دينه (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) أي على دين قيم (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي إن خاصموك في أمر الذبيحة فقل : الله أعلم بتكذيبكم فهو يجازيكم به ، وهذا قبل الأمر بالقتال وقيل معناه : وان جادلوك على سبيل المراء والتعنت بعد لزوم الحجة فلا تجادلهم على هذا الوجه ، وادفعهم بهذا القول وقيل معناه : وان نازعوك في نسخ الشريعة فحاكمهم إلى الله (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يفصل بينكم (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي فيما تذهبون فيه إلى خلاف ما يذهب. ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد جميع المكلفين (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) من قليل وكثير لا يخفى عليه شيء من ذلك (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) أي مثبت في الكتاب المحفوظ عن الجبائي (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي كتبته في اللوح المحفوظ على الله يسير لا يحتاج إلى معالجة خطوط وحروف وإنما يقول : كن فيكون وقيل ان الحكم بينكم يسير على الله.
٧١ ـ ٧٥ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال الكفار فقال : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي حجة (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) أنها آلهة وإنما قال ذلك لأن الإنسان قد يعلم أشياء من غير حجة ودليل كالضروريات (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) أي وما للمشركين من مانع من العذاب. ثم أخبر سبحانه عن شدة عنادهم فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) يعني من القرآن وغيره من حجج الله (بَيِّناتٍ) أي واضحات لمن تفكر فيها وهي منصوبة على الحال (تَعْرِفُ) يا محمد (فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) أي الإنكار ، وهو مصدر يريد أثر الإنكار من الكراهة والعبوس (يَكادُونَ يَسْطُونَ) أي يقعون ويبطشون من شدة الغيظ (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) والمعنى : يكادون يبسطون إليهم أيديهم بالسوء ، يقال : سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش (قُلْ) يا محمد لهم (أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) واكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون ، وأشدّ عليكم منه ، ثم فسّر ذلك فقال (النَّارُ) أي هو النار (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي المرجع