حرّم وهو شحم الجنب والألية (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) المعنى : حرّمنا ذلك عليهم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء ، وأخذهم الربا ، واستحلالهم أموال الناس بالباطل ، فهذا بغيهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي في الإخبار عن التحريم ، وعن بغيهم ، وفي كل شيء (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) يا محمد فيما تقول (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة بل يمهلكم (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي المكذبين.
١٤٨ ـ ١٥٠ ـ (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي سيحتج هؤلاء المشركين في إقامتهم على شركهم ، وفي تحريمهم ما أحلّ الله تعالى بأن يقولوا (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) أي لو شاء الله أن لا نعتقد الشرك ، ولا نفعل التحريم (وَلا آباؤُنا) وأراد منا خلاف ذلك ما أشركنا ولا آباؤنا (وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أي شيئا من ذلك ، ثم كذّبهم الله تعالى في ذلك بقوله : (كَذلِكَ) أي مثل هذا التكذيب الذي كان من هؤلاء في أنه منكر (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما كذّب من تقدّمهم أنبياءهم فيما أتوا به من قبل الله تعالى (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي حتى نالوا عذابنا (قُلْ) يا محمد لهم جوابا عما قالوه : من أن الشرك بمشيئة الله تعالى : (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) أي حجة (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أي فتخرجوا ذلك العلم أو تلك الحجة لنا ، ثم أكد سبحانه الرد عليهم وتكذيبهم في مقالتهم بقوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي ما تتبعون فيما تقولونه إلّا الظن والتخمين (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) أي إلّا تكذبون في هذه المقالة على الله تعالى (قُلْ) يا محمد إذا عجز هؤلاء عن إقامة حجة على ما قالوه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) الحجة : البينة الصحيحة المصححة للأحكام (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي لو شاء لألجأكم إلى الإيمان ، وهداكم جميعا إليه بفعل الإلجاء إلّا انه لم يفعل ذلك وإن كان فعله حسنا لأن الإلجاء ينافي التكليف ثم بيّن سبحانه أن الطريق الموصل إلى صحة مذاهبهم مفسد غير ثابت من جهة حجة عقلية ولا سمعية ، وما هذه صفته فهو فاسد لا محالة فقال : (قُلْ) يا محمد لهم (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) أي أحضروا وهاتوا شهداءكم (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) بصحة ما تدعونه من (أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي هذا الذي ذكر مما حرمه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحرث والأنعام وغيرها (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) معناه : فإن لم يجدوا شاهدا يشهد لهم على تحريمها غيرهم فشهدوا بأنفسهم فلا تشهد أنت معهم ، وإنما نهاه عن الشهادة معهم لأن شهادتهم تكون شهادة بالباطل (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) الخطاب للنبي (ص) والمراد أمته ، أي لا تعتقد مذهب من اعتقد مذهبه هوى ، ويمكن أن يتخذ الإنسان المذهب هوى من وجوه منها : أن يهوى من سبق إليه فيقلده فيه ومنها : أن يدخل عليه شبها فيتخيّله بصورة الصحيح مع أن في عقله ما يمنع منها ، ومنها : أن يكون نشأ على شيء وألفه واعتاده فيصعب عليه مفارقته ، وكل ذلك متميز مما استحسنه بعقله (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي يجعلون له عدلا وهو المثل.
١٥١ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (تَعالَوْا) اقبلوا (أَتْلُ) أي اقرأ (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أي منعكم عنه بالنهي (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي أمركم أن لا تشركوا (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأوصى بالوالدين إحسانا ، ولما كانت نعم الوالدين تالية نعم الله سبحانه في الرتبة أمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بعبادة الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي خوفا من الفقر (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي فإنّ رزقكم ورزقهم جميعا علينا (وَلا تَقْرَبُوا