اليك بالأحكام؟ (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) أي ما لم تعلمه من الشرائع ، وأنباء الرسل الأولين ، وغير ذلك من العلوم (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) قيل فضله عليك منذ خلقك إلى أن بعثك عظيم ، إذ جعلك خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وأعطاك الشفاعة وغيرها ، ثم قال : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) أي أسرارهم ، ومعنى النجوى : لا يتم إلا بين اثنين فصاعدا (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) فإن في نجواه خيرا (أَوْ مَعْرُوفٍ) يعني بالمعروف أبواب البر (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) أي تأليف بينهم بالمودة قال أمير المؤمنين : إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) يعني ما تقدم ذكره (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي لطلب رضاء الله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) أي نعطيه (أَجْراً عَظِيماً) أي مثوبة عظيمة في الكثرة والمنزلة والصفة ، أما الكثرة : فلأنه دائم ، وأما المنزلة : فلأنه مقارن للتعظيم والإجلال ، وأما الصفة : فلأنه غير مشوب بما ينغّصه وفي الآية دلالة على ان فاعل المعصية هو الذي يضر بنفسه لما يعود عليه من وبال فعله.
١١٥ ـ لمّا بيّن سبحانه التوبة عقّبه بذكر حال الإصرار فقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) أي من يخالف محمدا ويعاده (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أي ظهر له الحق والإسلام ، وقامت له الحجة ، وصحت الأدلة بثبوت نبوته ورسالته (وَيَتَّبِعْ) طريقا (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير طريقهم الذي هو دينهم (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) أي نكله إلى من انتصر به ، واتكل عليه من الأوثان (وَنُصْلِهِ) أي نلزمه دخول (جَهَنَّمَ) عقوبة له على ما اختاره من الضلالة بعد الهدى (وَساءَتْ مَصِيراً) قد مر معناه.
١١٦ ـ قد مرّ تفسيرها فيما تقدم وقوله : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي ذهب عن طريق الحق ، والغرض المطلوب ، وهو النعيم المقيم في الجنة ، بعيدا : لأنّ الذهاب عن نعيم الجنة يكون على مراتب ، أبعدها الشرك بالله ..
١١٧ ـ ١٢١ ـ لمّا ذكر في الآية المتقدمة أهل الشرك وضلالهم ذكر في هذه الآية حالهم وفعالهم فقال : (إِنْ يَدْعُونَ) أي ما يدعون هؤلاء المشركون وما يعبدون (مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (إِلَّا إِناثاً) إلا أوثانا ، وكانوا يسمّون الأوثان باسم الإناث : اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، واساف ونائلة (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) أي ماردا شديدا في كفره وعصيانه ، متماديا في شركه وطغيانه (لَعَنَهُ اللهُ) أبعده الله عن الخير بإيجاب الخلود في نار جهنم (وَقالَ) يعني الشيطان لما لعنه الله (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً) أي حظا (مَفْرُوضاً) أي معلوما وقيل : مقدارا محدودا (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) هذا من مقالة إبليس ، يعني لأضلنهم عن الحق والصواب ، واضلاله : دعاؤه إلى الضلال ، وتسبيبه له بحبائله وغروره ووساوسه (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) يعني امنينهم طول البقاء في الدنيا فيؤثرون بذلك الدنيا ونعيمها على الآخرة ، وقيل معناه : أقول لهم : ليس وراءكم بعث ولا نشر ، ولا جنة ولا نار ، ولا ثواب ولا عقاب ، فافعلوا ما شئتم وقيل معناه : امنينهم بالأهواء الباطلة الداعية إلى المعصية ، وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها ، وأدعو كلّا منهم إلى نوع يميل طبعه إليه فأصده بذلك عن الطاعة ، والقيه في المعصية (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) ليقطعن الآذان من أصلها وهذا شيء قد كان مشركو العرب يفعلونه يجدعون آذان الأنعام (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) معناه : دين الله وأمره ، وأراد بذلك تحريم الحلال ، وتحليل الحرام (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا) أي (مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) أي ظاهرا ، وأيّ خسران