قتادة : آخر القرآن عهدا بالسماء هاتان الآيتان.
سورة يونس
وعدد آيها مائة وتسع آيات
لما ختم الله سورة براءة بذكر الرسول افتتح هذه السورة بذكره وما نزل عليه من القرآن فقال (الر).
١ ـ ٢ ـ قد مضى الكلام في معاني الحروف المعجمة المذكورة في أوائل السور من قبل (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) معناه : ان الآيات التي جرى ذكرها ، أو الآيات التي أنزلت على محمد (ص) هي آيات القران المحكم من الباطل ، الممنوع من الفساد ، لا كذب فيه ولا اختلاف وقيل : تلك أي هذه السور آيات الكتاب الحكيم أي اللوح المحفوظ ، وسماه محكما لأنه ناطق بالحكمة وقيل : لأنه جمع العلوم والحكمة وقيل : إنما وصف الكتاب بالحكيم لأنه دليل على الحق كالناطق بالحكمة ، ولأنه يؤدي إلى المعرفة التي تميز بها طريق الهلاك من طريق النجاة (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) هذه ألف استفهام المراد به الإنكار ، وقيل : المراد بالناس هنا أهل مكة قالوا : تعجب ان الله سبحانه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلّا يتيم أبي طالب ، والتقدير : أكان ايحاؤنا إلى رجل من الناس بأن ينذرهم عجبا ، ومعناه : لماذا تعجبون ان أوحينا إلى رجل منهم ، وليس هذا موضع تعجب ، فإن الله تعالى لما أكمل لعباده عقولهم ، وكلّفهم معرفته ، وأداء شكره ، وعلم أنهم لا يصلحون ولا يقومون بذلك إلّا بداع يدعوهم إليه ، ومنبّه ينبههم عليه ، وجب في الحكمة أن يفعل ذلك. ثم بيّن سبحانه الوجه الذي لأجله بعث ، وما الذي أوحى إليه فقال : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ، أي أخبرهم بالعذاب وخوفهم به (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي عرفهم ما فيه الشرف والخلود في نعيم الجنة على وجه الإكرام والإجلال لصالح الأعمال (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) يعنون النبي ، أي قالوا : هذا ساحر مظهر للسحر وما أتى به سحر بيّن وهذا يدل على عجزهم عن معارضة القرآن.
٣ ـ ٤ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ) أي خالقكم ومنشئكم ، ومالك تدبيركم وتصريفكم من أمره ونهيه ، والذي يجب عليكم عبادته (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي اخترعهما وأنشأهما على ما فيهما من عجائب الصنعة ، وبدائع الحكمة (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) بلا زيادة ونقصان مع قدرته على إنشائهما دفعة واحدة ، وكذلك تصريف الإنسان حالا بعد حال ، واخراج الثمار والأزهار شيئا بعد شيء مع قدرته على ذلك في أقل من لمح البصر ، لأن ذلك أبعد من توهم الاتفاق فيه (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) مرّ تفسيره في سورة الأعراف وقيل : ان العرش المذكور هنا هو السماوات والأرض لأنهم من بنائه والعرش البناء (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي يقدّره وينفذه على وجهه ، ويرتبه على مراتبه على أحكام عواقبه (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) إنما قال هذا وإن لم يجر ذكر للشفعاء لأن الكفار كانوا يقولون : الأصنام شفعاؤنا عند الله ، فبيّن سبحانه أن الشفيع إنما يشفع عنده إذا أذن له في الشفاعة ، وإذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون شافعة مع انه لا يشفع عنده أحد من الملائكة والنبين إلّا بإذنه وأمره (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي أن الموصوف بهذه الصفات هو إلهكم (فَاعْبُدُوهُ) وحده لأنه لا إله لكم سواء ، ولا يستحق هذه الصفات غيره ، ولا تعبدوا الأصنام (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) حثّهم سبحانه على التذكر والتفكر فيما أخبرهم به ، وعلى تعرف صحته (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) المرجع يحتمل معنيين (أحدهما) أن يكون بمعنى المصدر الذي هو الرجوع (والآخر) أن يكون بمعنى موضع الرجوع أي إليه موضع رجوعكم (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعد الله تعالى ذلك