بالأهواء المختلفة في الدين ، وذلك ان النسطورية قالت : ان عيسى بن الله ، واليعقوبية قالت : ان الله هو المسيح بن مريم ، والملكائية وهم الروم قالوا : ان الله ثالث ثلاثة : الله وعيسى ومريم وقوله : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) عنى به ان المعاداة تبقى بينهم إلى يوم القيامة (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ) عند المحاسبة (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) في الدنيا من نقض الميثاق ، ويعاقبهم على ذلك بحسب استحقاقهم ، فكأنه لما قال سبحانه : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) ، بين بعد ذلك انه سيجازيهم على صنيعهم وقبيح فعلهم.
١٥ ـ ١٦ ـ لمّا ذكر سبحانه ان اليهود والنصارى نقضوا العهد ، وتركوا ما أمروا به ، عقّب ذلك بدعائهم إلى الإيمان بمحمد (ص) ، وذكّرهم ما أتاهم به من أسرار كتبهم حجة عليهم فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) يخاطب اليهود والنصارى (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) محمد (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) يعني ما بيّنه (ص) من رجم الزانين ، وأشياء كانوا يحرفونها من كتابهم بسوء التأويل (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) معناه : يصفح عن كثير منهم بالتوبة (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) يعني بالنور محمد (ص) لأنه يهتدي به الخلق كما يهتدون بالنور (وَكِتابٌ مُبِينٌ) فيكون اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين (يَهْدِي بِهِ اللهُ) أي الكتاب المبين وهو القرآن (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أي من اتبع رضاء الله في قبول القرآن والإيمان ، وتصديق النبي (ص) ، واتباع الشرائع (سُبُلَ السَّلامِ) قيل : السلام هو الله تعالى ومعناه : سبل الله ، وهو شرائعه التي شرعها لعباده وهو الإسلام (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) معناه : من الكفر إلى الإيمان لأن الكفر يتحيّر فيه صاحبه كما يتحيّر في الظلام ، ويهتدي بالإيمان إلى النجاة كما يهتدي بالنور (بِإِذْنِهِ) أي بلطفه (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي ويرشدهم إلى طريق الحق وهو دين الإسلام.
١٧ ـ ١٨ ـ ثم حكى سبحانه عن النصارى ما قالوا في المسيح (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) كفّرهم الله سبحانه بهذا القول لأنهم قالوه على وجه التدين به والإعتقاد لا على وجه الحكاية والإنكار ، وإنما كفروا بذلك لوجهين (أحدهما) انهم كفروا بالنعمة من حيث أضافوها إلى غير الله ممن ادّعوا إلهيته (والآخر) انهم كفروا بأنهم وصفوا المسيح وهو محدث بصفات الله سبحانه فقالوا : هو إله ، وكل جاهل بالله كافر ، لأنه لما ضيّع نعمة الله تعالى كان بمنزلة من أضافها إلى غيره (قُلْ) يا محمد (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي من يقدر ان يدفع من أمر الله شيئا؟ (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) عنى بذلك انه لو كان المسيح إلها لقدر على دفع أمر الله تعالى اذا أراد اهلاكه واهلاك غيره ، وليس بقادر عليه لاستحالة القدرة على مغالبة القديم ، أي فكيف يجوز اعتقاد الربوبية فيه مع انه مسخّر مربوب مقهور؟ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ومن كان بهذه الصفة فلا ثاني له ، وذلك يدلك على أن المسيح ملك له ، واذا كان ملكا له لم يكن إلها ولا إبنا له ، لأن المملوك لا يجوز أن يكون مالكا ، فكيف يكون إلها؟! وقوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي يخلق ما يشاء أن يخلقه ، فإن شاء خلق من ذكر وأنثى ، وإن شاء خلق من أنثى من غير ذكر فدل بها على انه ليس في كون المسيح من أنثى بغير ذكر دلالة على كونه إلها ، وقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي يقدر على كل شيء يريد أن يخلقه. ثم حكى عن الفريقين من أهل الكتاب فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) قيل ان اليهود قالوا : نحن في القرب من الله بمنزلة