٢ ـ ٤ ـ لما قال سبحانه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، بيّن صفة المؤمنين بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي خافت تعظيما له ، وذلك إذا ذكر عندهم عقوبته وعدله ووعيده على المعاصي بالعقاب ، واقتداره عليه (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) معناه : وإذا قرىء عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة ويقينا على يقين (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي يفوّضون أمورهم إلى الله فيما يخافونه من السوء في الدنيا (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قد مرّ تفسيره في سورة البقرة ، وإنما خصّ الصلاة والزكاة بالذكر لعظم شأنهما ، وتأكيد أمرهما ، وليكون داعيا إلى المواظبة على فعلهما (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) أي هؤلاء المستجمعون لهذه الخصال ، والحائزون لهذه الصفات ، هم الذين استحقّوا هذا الاسم على الحقيقة (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يعني درجات الجنة يرتقونها باعمالهم (وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي خطير كبير في الجنة.
٥ ـ ٨ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك ، لأن الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم ، والمراد بالبيت هنا : المدينة ، يعني خروج النبي (ص) منها إلى بدر ، ويكون معنى أخرجك ربك : دعاك إلى الخروج ، وأمرك به ، وحملك عليه ، وقوله : (بِالْحَقِ) أي بالوحي ، وذلك أن جبرائيل (ع) أتاه وأمره بالخروج (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي طائفة منهم (لَكارِهُونَ) لذلك للمشقة التي لحقتهم (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) معناه : يجادلونك فيما دعوتهم إليه بعد ما عرفوا صحته وصدقك بما ظهر عليك من المعجزات ، ومجادلتهم قولهم : هلا اخبرتنا بذلك؟ وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلّا بما هو حق وصواب ، وكانوا يجادلون فيه لشدته عليهم يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه ، أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) معناه : كأنّ هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم حيث لم يكونوا مستعدين له ، ولكراهتهم له من حيث الطبع ، كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت وهم يرونه عيانا وينظرون إليه وإلى أسبابه (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) يعني واذكروا واشكروا الله إذ يعدكم الله إن إحدى الطائفتين لكم : اما العير واما النفير (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي تؤدون أن يكون لكم العير ـ وصاحبها أبو سفيان بن حرب ـ لئلا تلحقكم مشقة دون النفير : وهو الجيش من قريش ، قال الحسن : كان المسلمون يريدون العير ، ورسول الله يريد ذات الشوكة ، كنّى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة وقيل : ذات الشوكة ذات السلاح (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) معناه : والله أعلم بالمصالح منكم ، فأراد أن يظهر الحق بلطفه ، ويعزّ الإسلام ، ويظفركم على وجوه قريش ويهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة وعداته في قوله : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ). انهم لهم المنصورون ، وان جندنا لهم الغالبون وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) أي يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا ، يعني كفار العرب (لِيُحِقَّ الْحَقَ) أي إنما يفعل ذلك ليظهر الاسلام (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أي الكفر باهلاك أهله (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) أي الكافرون.
٩ ـ ١٤ ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) أي تستجيرون بربّكم يوم بدر من أعدائكم ، فلم يكن لكم مفزع إلّا التضرع إليه ، والدعاء له في كشف الضر عنكم ، والاستغاثة : طلب المعونة والغوث (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) والاستجابة : هي العطية على موافقة المسألة فمعناه : فأغاثكم وأجاب دعاءكم (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أي مرسل إليكم مددا