يواقعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) على نفسها وعليه بابا بعد باب قالوا : وكانت سبعة أبواب (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) ومعناه : أقبل وبادر إلى ما هو مهيأ لك (قالَ) يوسف (مَعاذَ اللهِ) أي أعتصم بالله واستجير به مما دعوتني إليه وتقديره : عياذا بالله أن أجيب إلى هذا ، فكان (ع) أظهر الإباء ، وسأل الله سبحانه أن يعيذه ويعصمه من فعل ما دعته إليه (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) المعنى : أن الله ربي ، رفع من محلي ، وأحسن إليّ ، وجعلني نبيا فلا أعصيه أبدا (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) دلّ بهذا على أنه لو فعل ما دعته عليه لكان ظالما ، وفي هذه الآية دلالة على أن يوسف لم يهم بالفاحشة ولم يردها بقبيح ، لأن من همّ بالقبيح لا يقول مثل ذلك.
٢٤ ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لم يوجد من يوسف ذنب كبير ولا صغير ، ولقد همت بالفاحشة وهمّ يوسف عليهالسلام بضربها ودفعها عن نفسه كما يقال : هممت بفلان أي بضربه ، وإيقاع مكروه به ، فأما البرهان الذي رآه : ما آتاه الله سبحانه من آداب الأنبياء ، وأخلاق الأصفياء في العفاف ، وصيانة النفس عن الأدناس ، وأنه اللطف الذي لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها فاختار عنده الإمتناع لأن العصمة هي اللطف الذي يختار عنده التنزه عن القبائح ، والإمتناع من فعلها ؛ ويجوز أن يكون الرؤية ها هنا بمعنى العلم كما يجوز أن يكون بمعنى الإدراك (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) أي كذلك أريناه البرهان لنصرف عنه السوء ، أي الخيانة (وَالْفَحْشاءَ) أي ركوب الفاحشة (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي المصطفين المختارين للنبوة المخلصين في العبادة والتوحيد ، أي من عبادنا الذين أخلصوا الطاعة لله ، وأخلصوا أنفسهم له ، وهذا يدل على تنزيه يوسف وجلالة قدره عن ركوب القبيح ، والعزم عليه.
٢٥ ـ ٢٩ ـ (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) يعني تبادرا الباب أي طلب كل واحد من يوسف وامرأة العزيز السبق إلى الباب ، أما يوسف فإنه كان يقصد أن يهرب منها ومن ركوب الفاحشة ، وأما هي فإنما كانت تطلب يوسف لتقضي حاجتها منه ، وتقصد أن تغلق الباب وتمنعه من الخروج وتراوده ثانيا عن نفسه (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) أي لحقت يوسف فجذبت قميصه وشقته طولا من خلفه لأن يوسف كان هاربا وهي تعدو من خلفه ، وادركته فتعلقت بقميصه من خلفه فشقته (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) أي فلما خرجا وجدا زوجها عند الباب ، وسمّاه سيدها لأنه مالك أمرها (قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يعني أن المرأة سبقت بالكلام لتورك الذنب على يوسف فقالت لزوجها : ليس جزاء من أراد بأهلك خيانة إلّا أن يسجن أو أن يضرب بالسياط ضربا وجيعا (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) لما ذكرت المرأة ذلك لم يجد يوسف بدّا من تنزيه نفسه بالصدق ، ولو كفّت على الكذب عليه لكفّ عليهالسلام عن الصدق عليها فقال : هي التي طالبتني بالسوء الذي نسبتني إليه (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير : انه صبي في المهد ، وكان ابن أخت زليخا ، وهو ابن ثلاثة أشهر (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) أي شق (مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ) المرأة (وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) بما قال يعني يوسف ، لأنه كان هو القاصد وهي الدافعة (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أي من خلف (فَكَذَبَتْ) المرأة (وَهُوَ) أي يوسف (مِنَ الصَّادِقِينَ) لأنه الهارب وهي الطالبة ، وهذا أمر ظاهر واستدلال صحيح (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أي فلما رأى زوجها قميص يوسف شق من خلف عرف خيانة المرأة (قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وإنما وصف كيدهن بالعظم لأنها حين فاجأت زوجها عند الباب لم يدخلها دهش ، ولم تتحير في أمرها ، ووركت الذنب على يوسف (ع) (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) إنما قاله زوجها ومعناه : لا تلتفت يا يوسف إلى هذا الحديث ولا تذكره على سبيل طلب البراءة