(ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ). أخبر عن الرجلين انهما قالا : ادخلوا يا بني إسرائيل على الجبارين باب مدينتهم ، وإنما علما انهم يظفرون بهم ويغلبونهم إذا دخلوا باب مدينتهم لما اخبر به موسى (ع) من وعد الله تعالى بالنصرة وقيل : لما رأياه من القاء الله الرعب في قلوب الجبارين ، فعلما انهم ان دخلوا الباب غلبوا (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا) في نصرة الله على الجبارين (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالله وبما آتاكم به رسوله من عنده. ثم أخبر عن قوم موسى بأنهم (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) أي هذه المدينة (أَبَداً ما دامُوا) أي ما دام الجبارون (فِيها) وإنما قالوا ذلك لأنهم جبنوا وخافوا من قتالهم لعظم أجسامهم ، وشدة بطشهم ، ولم يثقوا بوعد الله سبحانه بالنصرة لهم عليهم (فَاذْهَبْ) يا موسى (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) الجبارين (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) إلى أن تظفر بهم وترجع إلينا ، فحينئذ ندخل.
٢٥ ـ ٢٦ ـ ثم ذكر سبحانه دعاء موسى على قومه عند مخالفتهم إياه فقال تعالى : (قالَ) أي قال موسى (ع) إذ غضب على قومه (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي) أي لا أملك إلّا تصريف نفسي في طاعتك لأنها التي تجيبني إذا دعوت (وَأَخِي) أي وأخي كذلك لا يملك إلّا نفسه ، أو يكون معناه : ولا أملك أيضا إلّا أخي لأنه يجيبني إذا دعوت (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي فافصل بيننا وبينهم بحكم ، وسمّاهم فسّاقا وان كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم لخروجهم من الإيمان إلى الكفر ، قال الله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) ، قيل في سؤال موسى الفرق بينه وبينهم : انه سأله تعالى أن يحكم ويقضي بما يدل على بعدهم عن الحق والصواب فيما ارتكبوا من العصيان ، ولذلك القوا في التيه ، عن ابن عباس والضحاك (قالَ) أي قال الله سبحانه لموسى (ع) (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) أي أن الأرض المقدسة حرمت عليهم (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) يعني يتحيرون في المسافة التي بينهم وبينها لا يهتدون إلى الخروج منها ، وكان مقداره ستة فراسخ كانوا يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) خطاب لموسى (ع) أمره الله تعالى أن لا يحزن على إهلاكهم لفسقهم.
٢٧ ـ (وَاتْلُ) أي واقرأ (عَلَيْهِمْ) يا محمد (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) أي خبرهما (بِالْحَقِ) أي بالصدق (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) أي فعلا فعلا يتقرب به إلى الله تعالى (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) تقبل الطاعة إيجاب الثواب عليها ، قالوا : وكانت علامة القبول في ذلك الزمان نارا تأتي فتأكل المتقبل ولا تأكل المردود (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه : لأقتلنك ، فقال له : لم تقتلني؟ (قالَ) انه تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني قال له : وما ذنبي؟ (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) للمعاصي. قال ابن عباس : أراد إنما يتقبل الله ممن كان زاكي القلب ، وردّ عليك لأنك لست بزاكي القلب ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها ان الله تعالى أراد أن يبين ان حال اليهود في نقض العهد وارتكاب الفواحش كارتكاب ابن آدم في قتله أخاه وما عاد عليه من الوبال.
٢٨ ـ ٣٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن هابيل انه قال لأخيه حين هدّده بالقتل لما تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) ومعناه : لئن مددت اليّ يدك (لِتَقْتُلَنِي) أي لأن تقتلني (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) أي لأن أقتلك (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) معناه : إني أخاف في مدي إليك يدي لقتلك (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) معناه : إني لا