هذِهِ أَبَداً) أي ما اقدّر ان تفنى هذه الجنة وهذه الثمار أبدا وقيل : يريد ما أظن هذه الدنيا تفنى أبدا (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي وما أحسب القيامة آتية كائنة على ما يقوله الموحدون (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) معناه : ولئن كانت القيامة والبعث حقا كما يقوله الموحدون لأجدن خيرا من هذه الجنة ، قال الزجاج : وهذا يدل على ان صاحبه المؤمن قد أعلمه ان الساعة تقوم ، وانه يبعث ، فأجاب بأن قال له : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) ، أي كما أعطاني هذه في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منها لكرامتي عليه. ظنّ الجاهل انه أوتي لكرامته على الله تعالى.
٣٧ ـ ٤٤ ـ ثم بيّن سبحانه جواب المؤمن للكافر فقال (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) أي يخاطبه ويجيبه مكفّرا له بما قال (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) يعني أصل الخلقة ، أي خلق أباك من تراب وهو آدم (ع) وقيل : لما كانت النطفة خلقها الله سبحانه بمجرى العادة من الغذاء ، والغذاء ينبت من تراب جاز أن يقول : خلقك من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) أي نقلك من حال إلى حال حتى جعلك بشرا سويا معتدل الخلقة والقامة ، وإنما كفره بإنكاره المعاد وفي هذا دلالة على ان الشك في البعث والنشور كفر (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) تقديره : لكن أنا أقول هو الله ربي وخالقي ورازقي ، فإن افتخرت عليّ بدنياك فإن افتخاري بالتوحيد (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) أي لا أشرك بعبادتي إياه أحدا سواه ، بل أوجهها اليه وحده خالصا وإنما استحال الشرك في العبادة لأنها لا تستحق إلّا بأصول النعم وبالنعمة التي لا يوازنها نعمة منعم وذلك لا يقدر عليه أحد إلّا الله تعالى ، ثم قال (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) معناه : وقال لصاحبه الكافر : هلا حين دخلت بستانك فرأيت تلك الثمار والزرع شكرت الله تعالى وقلت : ما شاء الله كان ، واني وان تعبت في جمعه وعمارته فليس ذلك إلّا بقدرة الله وتيسيره ، ولو شاء لحال بيني وبين ذلك ، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) معناه : إن كنت تراني اليوم فقيرا أقل منك مالا وعشيرة وأولادا ، فلعل الله ان يؤتيني بستانا خيرا من بستانك في الآخرة أو في الدنيا والآخرة (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أي ويرسل على جنتك عذابا أو نارا من السماء فيحرقها عن ابن عباس وقتادة وقيل : يرسل عليها عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك عن الزجاج وقيل ويرسل عليها مرامي من عذابه اما بردا واما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي أرضا مستوية لا نبات عليها تزلق عنها القدم ، فتصير أضر أرض من بعد ان كانت أنفع أرض (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أي غائرا ذاهبا في باطن غامض منقطعا فتكون أعدم أرض للماء بعد ان كانت أوجد أرض للماء (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي فلن تقدر على طلبه إذا غار ولا يبقى له أثر تطلبه به ، فلن تستطيع رده. إلى هنا انتهى مناظرة صاحبه وانذاره ، ثم قال سبحانه (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) معناه : أحيط العذاب بأشجاره ونخيله فهلكت عن آخرها تقول : أحيط ببني فلان : إذا هلكوا عن آخرهم ، وفي الخبر : ان الله عزوجل أرسل عليها نارا فأهلكها ، وغار ماؤها (فَأَصْبَحَ) هذا الكافر (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) تأسفا وتحسرا (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) من المال ، وهو أن يضرب يديه واحدة على الأخرى ، وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرا فصار عبارة عن الندم (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي ساقطة على سقوفها ، وما عرش لكرومها ، وذلك ان السقف ينهدم أولا ثم ينهدم الحائط على السقف (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) ندم على الكفر لفناء ماله لا لوجوب الإيمان فلم ينفعه ، ولو ندم على الكفر فآمن بالله تحقيقا لانتفع به (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي لم يكن