١٤٠ ـ (أَمْ تَقُولُونَ ...) إن عندهم إنما يقع إسم اليهودية على من تمسك بشريعة التوراة ، واسم النصرانية على من تمسك بشريعة الإنجيل ، والكتابان أنزلا بعدهم كما قال سبحانه : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) قل : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) صورته صورة الإستفهام والمراد به التوبيخ ومثله قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ومعناه : قل يا محمد لهم أأنتم أعلم أم الله وقد أخبر الله سبحانه أنهم كانوا على الحنيفية وزعمتم أنهم كانوا هودا أو نصارى فيلزمكم أن تدعوا أنكم أعلم من الله وهذا غاية الخزي (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) معناه : وما أحد أظلم ممن يكون عنده شهادة من الله فيكتمها ، والمراد بهذه الشهادة أن الله تعالى بيّن في كتابهم صحة نبوة محمد (ص) ، والبشارة به وقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أوعدهم سبحانه بما يجمع كل وعيد ، أي ليس الله بساه عن كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها لله.
١٤١ ـ قد مضى تفسير هذه الآية وقيل في وجه تكراره : إن ذلك ورد مورد الوعظ لهم والزجر حتى لا يتكلموا على فضل الآباء والأجداد ، فإن ذلك لا ينفعهم.
١٤٢ ـ ثم ذكر سبحانه الذين عابوا المسلمين بالإنصراف عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة فقال : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) أي سوف يقول الجهال وهم الكفار (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) أي أي شيء حولهم وصرفهم ـ يعني المسلمين ـ عن بيت المقدس الذي كانوا يتوجهون إليه في صلاتهم؟ وأما الوجه في الصرف عن القبلة الأولى بيّنه سبحانه بقوله : (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ، لأنهم كانوا بمكة أمروا أن يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا من المشركين الذين كانوا يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا من المشركين الذين كانوا يتوجهون إلى الكعبة ، فلما انتقل رسول الله (ص) إلى المدينة كانت اليهود يتوجهون إلى بيت المقدس فأمروا بالتوجه إلى الكعبة ليتميزوا من أولئك (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هو أمر من الله سبحانه لنبيه أن يقول لهؤلاء الذين عابوا انتقالهم من بيت المقدس إلى الكعبة : المشرق والمغرب ملك لله سبحانه يتصرف فيهما كيف شاء على ما تقتضيه حكمته وقوله (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي يدله ويرشده إلى الدين ، وإنما سماه الصراط لأنه طريق الجنة المؤدي إليها كما يؤدي الطريق إلى المقصد.
١٤٣ ـ ثم بيّن سبحانه فضل هذه الأمة على سائر الأمم فقال سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أخبر عز اسمه أنه جعل أمة نبيه محمد (ص) عدلا وواسطة بين الرسول والناس ، وقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) المعنى : لتكونوا حجة على الناس فتبينوا لهم الحق.
وسمي الشاهد شاهدا لأنه يبيّن ، ولذلك يقال للشهادة : بينة وقوله : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) لكم بأنكم قد صدقتم يوم القيامة فيما تشهدون به وقوله (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) يعني بيت المقدس الذي كانوا يصلون إليه ، أي ما صرفناك عن القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ، أو ما جعلنا القبلة التي كنت عليها فصرفناك عنها (إِلَّا لِنَعْلَمَ) معناه : لنعاملكم معاملة المختبر الممتحن الذي كأنه لا يعلم ، إذ العدل يوجب ذلك من حيث لو عاملهم بما يعلم أنه يكون منهم قبل وقوعه كان ظلما وقوله : (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) أي يؤمن به ويتبعه في أقواله وأفعاله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) إن قوما ارتدوا لما حوّلت القبلة جهلا منهم بما فيه من وجوه الحكمة وقوله (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) الضمير يرجع إلى التحويلة ومفارقة القبلة الأولى لأن القوم ثقل عليهم التحول قوله (لَكَبِيرَةً) معناه : عظيمة على من لا يعرف ما فيها من وجه الحكمة ، فأما الذين هداهم الله لذلك فلا تعظم عليهم وهم الذين صدقوا الرسول في التحول إلى الكعبة ، وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) لما حولت