٢٠ ـ (يَكادُ الْبَرْقُ ..) يكاد ما في القرآن من الحجج النيرّة يخطف قلوبهم من شدّة إزعاجها إلى النظر في أمور دينهم ، كما أنّ البرق يكاد يخطف أبصار أولئك (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) ولو شاء الله أذهبها من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قادر على الأشياء كلها.
٢١ ـ هذا الخطاب متوجه إلى جميع الناس مؤمنهم وكافرهم إلّا من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين ، (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) أي تقربوا إليه بفعل العبادة ، وقوله (الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي أوجدكم بعد أن لم تكونوا موجودين ، وأوجد من تقدم زمانكم من الخلائق والبشر (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي خلقكم لتتقوا الحرمات بينكم وتكفون عما حرم الله.
٢٢ ـ معنى هذه الآية يتعلق بما قبلها لأنه تعالى أمرهم بعبادته والإعتراف بنعمته ، ثم عدد لهم صنوف نعمه ليستدلوا بذلك على وجوب عبادته ، فإن العبادة إنما تجب لأجل النعم المخصوصة ، فقال سبحانه : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) أي بساطا يمكنكم أن تستقروا عليها وتفترشوها وتتصرفوا فيها وذلك لا يمكن إلا بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون (وَالسَّماءَ بِناءً) أي سقفا مرفوعا مبنيا (وَأَنْزَلَ مِنَ) نحو (السَّماءَ) أي من السحاب (ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ) أي بالماء (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) أي عطاء لكم وملكا لكم وغذاء لكم ثم زجرهم عن أن يجعلوا له ندا مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم به بقوله (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يريد أنكم تعلمون أن الإصنام التي تعبدونها لم تنعم عليكم بهذه النعم التي عددناها ولا بأمثالها ، وأنها لا تضر ولا تنفع.
٢٣ ـ لما احتج الله تعالى للتوحيد عقّبه من الإحتجاج للنبوة بما قطع عذرهم فقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمد (ص) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل القرآن في الإعجاز من حسن النظم ، وجزالة اللفظ والفصاحة التي اختصت به (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) يعني أعوانكم وأنصاركم (مِنْ دُونِ اللهِ) أي وادعوا من اتخذتموهم معاونين من غير الله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في إن هذا الكتاب يقوله محمد من نفسه.
٢٤ ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم وتبين لكم عجزكم وعجز جميع الخلق عنه ، وعلمتم أنه من عندي فلا تقيموا على التكذيب به (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولن تأتوا بسورة مثله أبدا لأن لن تنفي على التأبيد في المستقبل ، وفيه دلالة على صحة نبوة نبينا محمد (ص) لأنه يتضمن الاخبار عن حالهم في مستقبل الأوقات بأنهم لا يأتون بمثله ، فوافق المخبر عنه الخبر ، وقوله (فَاتَّقُوا النَّارَ) أي فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبكم (الَّتِي وَقُودُهَا) أي حطبها (النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) يريد بها أصنامهم المنحوتة من الحجارة كقوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) معناه : خلقت وهيئت للكافرين لأنهم الذين يخلدون فيها ، ولأنهم أكثر أهل النار.
٢٥ ـ قرن الله تعالى الوعد في هذه الآية بالوعيد فيما قبلها ليحصل الترغيب والترهيب فقال (وَبَشِّرِ) أي أخبر بما يسر (الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم بأن لهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت أشجارها ومساكنها (الْأَنْهارُ) والنهر لا يجري وإنما يجري الماء فيه ويستعمل الجري فيه توسعا لأنه موضع الجري ، وقوله (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) أي من الجنات والمعنى : من أشجارها (مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) أي أعطوا من ثمارها عطاءا ،