صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي دلّه إلى الدين المستقيم وهو الإسلام والتوحيد (وَآتَيْناهُ) أي أعطيناه (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي نعمة سابغة في نفسه وفي أولاده وهو قول هذه الأمة كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وقيل : هي النبوة والرسالة عن الحسن وقيل هي انه ليس من أهل دين الا وهو يرضاه ويتولاه عن قتادة (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ولم يقل : لفي أعلى منازل الصالحين مع اقتضاء حاله ذلك ترغيبا في الصلاح ، (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي أمرناك باتباع ملة إبراهيم (حَنِيفاً) أي مستقيم الطريقة في الدعاء إلى توحيد الله ، وخلع الأنداد له ، وفي العمل بسنته (وَما كانَ) إبراهيم (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ومتى قيل : إن نبينا كان أفضل منه فكيف أمر الفاضل باتباع المفضول؟ فجوابه : ان إبراهيم (ع) سبق إلى اتباع الحق ، ولا يكون في سبق المفضول إلى متابعة الحق زراية على الفاضل في اتباعه (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) معناه : إنما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه فحرموه ثم استحلوه فعلنهم الله ومسخهم عن الحسن (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمور دينهم ، ويفصل بين المحق والمبطل منهم.
١٢٥ ـ ١٢٨ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه بالدعاء إلى الحق فقال (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) أي ادع إلى دينه لأنه الطريق إلى مرضاته (بِالْحِكْمَةِ) أي بالقرآن وسمي القرآن حكمة لأنه يتضمن الأمر بالحسن ، والنهي عن القبيح (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) معناه : الوعظ الحسن ، وهو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه ، والتزهيد في فعله ، وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع وقيل : إن الحكمة هي النبوة والموعظة الحسنة مواعظ القرآن عن ابن عباس (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ناظرهم بالقرآن وبأحسن ما عندك من الحجج وتقديره بالكلمة التي هي أحسن والمعنى أفتل المشركين واصرفهم عما هم عليه من الشرك بالرفق والسكينة ، ولين الجانب في النصيحة ، ليكونوا أقرب إلى الإجابة فإن الجدل هو فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل : هو ان يجادلهم على قدر ما يحتملونه كما جاء في الحديث ، أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي عن دينه (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي القابلين للهدى ، وهو يأمرك في الفريقين بما فيه الصلاح (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) معناه : وان أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة والمكافأة فعاقبوا بقدر ما عوقبتم به ولا تزيدوا عليه ، وقالوا ان المشركين لما مثلوا بقتلى أحد ، وبحمزة بن عبد المطلب ، فشقوا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة كبده فجعلت تلوكه ، وجدعوا أنفه وأذنه وقطعوا مذاكيره ، قال المسلمون : لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت الآية (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) أي تركتم المكافأة والقصاص وجرعتم مرارته (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) معناه : الصبر خير وأنفع للصابرين لما فيه من جزيل الثواب (وَاصْبِرْ) يا محمد فيما تبلغه من الرسالة ، وفيما تلقاه من الأذى (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي وليس صبرك إلّا بتوفيق الله واقداره ، وتيسيره وترغيبه فيه (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي ولا تحزن على المشركين في اعراضهم عنك فإنه يكون الظفر والنصر لك عليهم ولا عتب عليك في اعراضهم فقد بلغت ما أمرت به ، وقضيت ما عليك (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي ولا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك وبأصحابك فإن الله سبحانه يرد كيدهم في نحورهم ، ويحفظكم من شرورهم (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والفواحش والكبائر بالنصرة والحفظ والكلاءة (وَ) مع (الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) قال الحسن : اتقوا ما حرّم عليهم ، واحسنوا فيما فرض عليهم.