القبلة قال ناس : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وقوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) رؤوف بهم لا يضيع عنده عمل عامل منهم ، والرأفة : أشد الرحمة.
١٤٤ ـ (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) يا محمد (فِي السَّماءِ) لانتظار الوحي في أمر القبلة وقوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) أي فلنصرفنك الى قبلة تريدها وتحبها (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي حوّل نفسك نحو المسجد الحرام لأن وجه الشيء نفسه (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي أينما كنتم من الأرض في بر أو بحر سهل أو جبل ، فولوا وجوهكم نحوه وقوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أراد به علماء اليهود والنصارى (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي يعلمون أن تحويل القبلة إلى الكعبة حق مأمور به من ربهم ، وإنما علموا ذلك لأنه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبي من صفاته كذا وكذا ، وكان في صفاته أنه يصلي إلى القبلتين (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) أي ليس الله بغافل عما يعمل هؤلاء من كتمان صفة محمد (ص) والمعاندة.
١٤٥ ـ (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) في الكلام معنى القسم ، أي والله لئن أتيت الذين أعطوا الكتاب ، يعني أهل العناد من علماء اليهود والنصارى (بِكُلِّ آيَةٍ) أي بكل حجة ودلالة (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) لا يؤمن منهم أحد ، لأن المعاند لا تنفعه الدلالة وإنما تنفع الجاهل الذي لا يعلم (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) المراد : حسم أطماع أهل الكتاب من اليهود إذ كانوا طمعوا في ذلك ، وظنوا أنه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس ، وقوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) إنه لم يثبت أن يهوديا تنصر ، ولا ان نصرانيا تهود وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) إنه على سبيل الزجر عن الركون إليهم ومقاربتهم تقوية لنفسه ومتبعي شريعته ليستمروا على عداوتهم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي من الآيات والوحي الذي هو طريق العلم (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) وقد مضى معناه.
١٤٦ ـ أخبر الله سبحانه بأنهم يعرفون النبي (ع) وصحة نبوّته فقال : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ) أي أعطيناهم (الْكِتابَ) وهم العلماء منهم (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) أي يعرفون محمدا وأنه حق (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) إنما خصّ الفريق منهم لأن من أهل الكتاب من أسلم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما.
١٤٧ ـ (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وهو ما آتاه الله من الوحي والكتاب والشرائع (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) من الشاكين في الحق الذي تقدم اخبار الله تعالى به ، والخطاب وإن كان متوجها إلى النبي (ع) فالمراد به الأمة كقوله عز اسمه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) وأمثاله.
١٤٨ ـ هذا بيان لأمر القبلة أيضا وقوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) معناه : لكل أهل ملة من اليهود والنصارى قبلة (هُوَ مُوَلِّيها) أي الله موليها إياهم ، ومعنى توليته لهم إياها أنه أمرهم بالتوجه نحوها في صلاتهم إليها وقوله (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) معناه سارعوا إلى الخيرات والخيرات : هي الطاعات لله تعالى وقوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي حيثما كنتم من بلاد الله سبحانه يأت بكم الله إلى المحشر يوم القيامة. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي هو قادر على جمعكم وحشركم.
١٤٩ ـ (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) من البلاد (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي فاستقبل بوجهك تلقاء المسجد الحرام وقيل في تكراره إنه في الأول بيان لحال الحضر ، وفي الثاني بيان لحال السفر وقوله : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) معناه : وإن التوجه إلى الكعبة الحق المأمور به من ربك (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) معناه : هنا التهديد كما يقول الملك