بدعائه وسؤاله (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) أي اذكر إذ تدعوني فاحيي الموتى عند دعائك ، وأخرجهم من القبور حتى يشاهدهم الناس أحياء (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ) عن قتلك وأذيتك (إِذْ جِئْتَهُمْ) أي حين جئتهم (بِالْبَيِّناتِ) بالحجج والمعجزات (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وجحدوا نبوتك (مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) يعنون به عيسى ، (سِحْرٌ مُبِينٌ) : يعني به ان ما جاء به سحر ظاهر واضح.
١١١ ـ ثمّ بيّن سبحانه تمام نعمته على عيسى فقال : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ) أي واذكر إذ أوحيت (إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أي القيت إليهم بالآيات التي أريتهم إياها ، وهم وزراء عيسى وأنصاره (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) أي صدقوا بي وبصفاتي ، وبعيسى أنه عبدي ونبيي (قالُوا) أي قال الحواريون (آمَنَّا) أي صدقنا (وَاشْهَدْ) يا الله (بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ).
١١٢ ـ ١١٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن الحواريين وسؤالهم فقال : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) معناه : هل يفعل ربك ذلك بمسألتك إياه ليكون علما على صدقك ، ولا يجوز أن يكونوا شكوا في قدرة الله تعالى على ذلك لأنهم كانوا عارفين مؤمنين ، وكأنهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحة أمره من حيث لا يعرض عليهم فيه إشكال ولا شبهة ، ومن ثمّ قالوا : وتطمئن قلوبنا ، كما قال إبراهيم : ولكن ليطمئن قلبي (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) معناه : اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الأمم قبلكم وقيل : أمرهم أن لا يقترحوا الآيات ، وأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله لأن الله تعالى قد أراهم البراهين والمعجزات بإحياء الموتى وغيره مما هو أوكد مما سألوه وطلبوه (قالُوا) أي قال الحواريون (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) الإرادة هاهنا بمعنى المحبة التي هي ميل الطباع ، أي نحب ذلك (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) معناه : نريد أن نزداد يقينا ، وذلك أن الدلائل كلما كثرت مكنت المعرفة في النفس (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) بأنك رسول الله ، طلبوا المعاينة والعلم الضروري ، والتأكيد في الإعجاز (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) لله بالتوحيد ، ولك بالنبوة وقيل : من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم.
١١٤ ـ ١١٥ ـ ثمّ أخبر سبحانه عن سؤال عيسى (ع) إياه فقال : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) عن قومه لمّا التمسوا منه (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً) أي خوانا عليه طعام (مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً) معناه : نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيدا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) أي لأهل زماننا ومن يجيء بعدنا (وَآيَةً مِنْكَ) أي ودلالة منك عظيمة الشأن في إزعاج قلوب العباد إلى الإقرار بمدلولها ، والإعتراف بالحق الذي تشهد به ظاهرها ، تدل على توحيدك ، وصحة نبوة نبيك (وَارْزُقْنا) أي واجعل ذلك رزقا لنا ، وقيل معناه : وارزقنا الشكر عليها (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وفي هذا دلالة على أن العباد قد يرزق بعضهم بعضا ، لأنه لو لم يكن كذلك لم يصح أن يقال له سبحانه : (أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) كما لا يجوز أن يقال : أنت خير الآلهة لما لم يكن غيره إلها (قالَ اللهُ) مجيبا له إلى ما التمسه (إِنِّي مُنَزِّلُها) يعني المائدة (عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) أي بعد إنزالها عليكم (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) قيل في معناه أقوال ، أحدها : أنه أراد عالمي زمانه ، فجحد القوم فكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير ، عن قتادة ، وروي عن أبي الحسن موسى أنهم مسخوا خنازير وثانيها : أنه أراد عذاب الإستئصال ، وثالثها : أنه أراد جنسا من العذاب لا يعذب به أحدا غيرهم ، وإنما استحقوا هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة لأنهم كفروا