بأنك قد نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء ، ولا تبدأهم بالقتال من قبل أن تعلمهم بنقض العهد حتى لا ينسبوك إلى الغدر بهم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) أي بنقضهم معناه : فلا تخنهم بأن تبدأهم بالقتال من غير اعلامهم بنقض العهد. قال الواقدي : هذه الآية نزلت في بني قينقاع ، وبهذه الآية سار النبي (ص) إليهم.
٥٩ ـ ٦١ ـ لما تقدم الأمر بقتال الكفار عقبه سبحانه بوعد النصر والأمر بالإعداد لقتالهم فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) معناه : ولا تحسبن يا محمد اعداءك الكافرين قد سبقوا أمر الله واعجزوه ، وأنهم قد فاتوك ، فإن الله سبحانه يظفرك بهم كما وعدك ، ويظهرك عليهم (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي لا يعجزون الله ولا يفوتونه (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) هذا أمر منه سبحانه بأن يعدوا السلاح قبل لقاء العدو ومعناه : وأعدوا للمشركين ما قدرتم عليه مما يتقوى به على القتال من الرجال وآلات الحرب (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) أي ومن ربطها واقتنائها للغزو وهي من أقوى عدد الجهاد (تُرْهِبُونَ بِهِ) أي تخوفون بما تعدونه لهم (عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) يعني مشركي مكة وكفار العرب (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي وترهبون كفارا آخرين دون هؤلاء هم المنافقون لا يعلم المسلمون أنهم أعداؤهم وهم أعداؤهم (لا تَعْلَمُونَهُمُ) معناه : لا تعرفونهم لأنهم يصلّون ويصومون ويقولون : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، ويختلطون بالمؤمنين (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) أي يعرفهم لأنه المطلع على الأسرار (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في الجهاد وفي طاعة الله (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي يوفّر عليكم ثوابه في الآخرة (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي لا تنقصون شيئا منه (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) أي مالوا إلى الصلح وترك الحرب (فَاجْنَحْ لَها) أي مل إليها واقبلها منهم (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوض أمرك إلى الله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لا تخفى عليه خافية.
٦٢ ـ ٦٣ ـ ثم خاطب الله سبحانه نبيه (ص) فقال (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) معناه : وان يرد الذين يطلبون منك الصلح أن يخدعوك في الصلح بأن يقصدوا بالتماس الصلح دفع أصحابك ، والكف عن القتال حتى يقووا فيبدأوكم بالقتال من غير استعداد منكم (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) أي فإن الذي يتولى كفايتك الله (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أي هو الذي قواك بالنصر من عنده ، وايدك بالمؤمنين الذين ينصرونك على أعدائك (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) وأراد بالمؤمنين الأنصار : وهم الأوس والخزرج ، وأراد بتأليف القلوب : ما كان بين الأوس والخزرج من المعاداة والقتال ، فإنه لم يكن حيان من العرب بينهما من العداوة مثل ما كان بين هذين الحيين ، فألف الله بين قلوبهم حتى صاروا متوادين متحابين ببركة نبينا (ص) (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي لم يمكنك جمع قلوبهم على الالفة ، وإزالة ضغائن الجاهلية (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) بأن لطف لهم بحسن تدبيره ، وبالإسلام الذي هداهم إليه (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لا يمتنع عليه شيء يريد فعله ، ولا يفعل إلّا ما تقتضيه الحكمة.
٦٤ ـ ٦٦ ـ ثم أمر سبحانه بقتال الكفار وحث عليه بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) معناه : الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين : أي يكفيك ويكفيهم (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي ابعث المؤمنين (عَلَى الْقِتالِ) ورغبهم فيه بسائر أسباب التحريض والترغيب : من ذكر الثواب الموعود على القتال ، وبيان ما وعد الله لهم من النصر والظفر ، واغتنام الأموال (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) على القتال (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) من العدو (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) واللفظ لفظ الخبر