يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) يعني اذا أبى كل واحد من الزوجين مصلحة الآخر ، بأن تطالب المرأة بنصيبها من القسمة والنفقة والكسوة وحسن العشرة ، ويمتنع الرجل من إجابتها إلى ذلك ويتفرقا حينئذ بالطلاق ، فانه سبحانه يغني كل واحد منهما من سعته ، أي من سعة فضله ورزقه (وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً) أي لم يزل واسع الفضل على العباد ، حكيما فيما يدبرهم به.
١٣١ ـ ١٣٢ ـ ثم ذكر سبحانه بعد اخباره باغناء كل واحد من الزوجين بعد الافتراق من سعة فضله ما يوجب الرغبة اليه في ابتغاء الخير منه فقال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إخبارا عن كمال قدرته ، وسعة ملكه ، أي فإن من يملك ما في السماوات وما في الأرض لا يتعذر عليه الإغناء بعد الفرقة ، والايناس بعد الوحشة ، ثم ذكر الوصية بالتقوى فإنّ بها ينال خير الدنيا والآخرة فقال : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من اليهود والنصارى وغيرهم (وَإِيَّاكُمْ) أي وأوصيناكم أيها المسلمون في كتابكم (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) وتقديره : بأن اتقوا الله أي اتقوا عقابه باتقاء معاصيه ، ولا تخالفوا أمره ونهيه (وَإِنْ تَكْفُرُوا) أي تجحدوا وصيته إياكم وتخالفوها (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لا يضره كفرانكم وعصيانكم وهذه إشارة إلى ان امره جميع الأمم بطاعته ، ونهيه إياهم عن معصيته ، ليس استكثارا بهم عن حاجة (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا) أي لم يزل سبحانه غير محتاج إلى خلقه بل الخلائق كلهم محتاجون اليه (حَمِيداً) أي مستوجبا للحمد عليكم بصنائعه الحميدة اليكم ، وآلائه الجميلة لديكم ، فاستديموا ذلك باتقاء معاصيه ، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به ثم قال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي حافظا لجميعه لا يعزب عنه علم شيء منه ، ولا يؤوده حفظه وتدبيره.
١٣٣ ـ ١٣٤ ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يعني ان يشأ الله يهلككم (أَيُّهَا النَّاسُ) ويفنكم (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي بقوم آخرين غيركم ينصرون نبيه ويوازرونه (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) أي لم يزل سبحانه ولا يزال قادرا على الإبدال والإفناء والإعادة (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي يملك سبحانه الدنيا والآخرة فيطلب المجاهد الثوابين عند الله (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي يسمع المسموعات ، ويبصر المبصرات.
١٣٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) أي دائمين على القيام بالعدل (شُهَداءَ لِلَّهِ) أمر الله تعالى عباده بالثبات والدوام على قول الحق ، والشهادة بالصدق تقرّبا اليه ، وطلبا لمرضاته (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي ولو كانت شهادتكم على أنفسكم (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي على والديكم ، وعلى أقرب الناس اليكم فقوموا فيها بالقسط والعدل ، واقيموها على الصحة والحق (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) معناه : ان يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا ، أو المشهود له غنيا أو فقيرا ، فلا يمنعكم ذلك عن قول الحق ، والشهادة بالصدق (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) انه أولى بالغني والفقير ، وانظر لهما من سائر الناس (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) يعني هوى الأنفس في إقامة الشهادة فتشهدوا على إنسان لاحنة بينكم وبينه ، أو وحشة أو عصبية وتمتنعوا الشهادة له لأحد هذه المعاني ، وتشهدوا للإنسان بغير حق لميلكم اليه بحكم صداقة أو قرابة (أَنْ تَعْدِلُوا) أي لان تعدلوا ، يعني لأجل ان تعدلوا في الشهادة (وَإِنْ تَلْوُوا) أي تمطلوا في اداء الشهادة (أَوْ تُعْرِضُوا) عن أدائها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) معناه : إنه كان عالما ما يكون منكم من إقامة الشهادة أو تحريفها والاعراض عنها.