يقدر على نصركم.
١٩٦ ـ ١٩٨ ـ ثم بيّن سبحانه أنه ناصر نبيه (ص) وحافظه ، فأمره أن يقول للمشركين : (إِنَّ وَلِيِّيَ) أي ناصري وحافظي ، ودافع شرّكم عني (اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) أي القرآن ، يؤيدني بنصره كما أنزله عليّ (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أي ينصر المطيعين له ، المجتنبين معاصيه ، تارة بالدفع عنهم ، وأخرى بالحجة (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) أي لا يقدرون على أن ينصروكم ، ولا أن يدفعوا عنكم (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) كرّر هذا لأن ما تقدم فإنه على وجه التقريع والتوبيخ ، وما ذكره هنا فإنه على وجه الفرق بين صفة من يجوز له العبادة وصفة من لا يجوز له العبادة (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) يعني إن دعوتم هؤلاء الذين تعبدونهم من الأصنام (إِلَى الْهُدى) أي إلى الرشد والمنافع (لا يَسْمَعُوا) أي لا يسمعوا دعاءكم (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الحجة. يعني مشركي العرب.
١٩٩ ـ ٢٠٠ ـ لما أمر الله سبحانه نبيّه (ص) بالدعاء إليه ، وتبليغ رسالته ، علّمه محاسن الأفعال ، ومكارم الأخلاق والخصال فقال : (خُذِ الْعَفْوَ) معناه : خذ العفو من اخلاق الناس ، واقبل الميسور منها. أمره بالتساهل وترك الاستقصاء في القضاء والإقتضاء (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) يعني بكل خصلة حميدة (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) معناه : واعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم ، والإياس من قبولهم ، ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك ، فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر وقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) معناه : يا محمد إن نالك من الشيطان وسوسة ونخسة في القلب بما يسوّل للإنسان معناه : وإن منعك الشيطان عن شيء مما امرتك من هذه الأشياء (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي سل الله عزّ اسمه أن يعيذك منه (إِنَّهُ سَمِيعٌ) للمسموعات (عَلِيمٌ) بالخفيات.
٢٠١ ـ ٢٠٣ ـ ثم ذكر سبحانه المتقين بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الله باجتناب معاصيه (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) قيل معناه : إذا وسوس إليهم الشيطان واغراهم بمعصيته تذكروا ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبونه ويتركونه قال مجاهد : هو الرجل يهمّ بالذنب فيذكر الله فيتركه (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) للرشد (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) معناه : واخوان المشركين من شياطين الجن والإنس يمدونهم في الضلال والمعاصي : أي يزيدونهم فيه ، ويزينون لهم ما هم فيه (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) ثم لا يكفّون ومعناه : ثم لا يقصر الشياطين عن اغوائهم ، ولا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) معناه : انك يا محمد إذا جئتهم بآية كذبوا بها ، وإذا ابطأت عنهم يقترحونها ويقولون : هلّا جئتنا بها من قبل نفسك ، فليس كل ما تقوله وحي من السماء (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي لست آتي بالآيات من عندي وإنما يفعلها الله تعالى ويظهرها على حسب ما يعلم من المصلحة في ذلك لا بحسب اقتراح (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) هذا القرآن دلائل ظاهرة ، وحجج واضحة ، وبراهين ساطعة من ربكم يبصر الإنسان بها أمور دينه (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) أي ودلالة تهدي إلى الرشد ، ونعمة في الدين والدنيا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) خص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم من الكفار. وفي هذه الآية دلالة على أن أفعال النبي (ص) وأقواله تابعة للوحي ، وأنه لا يجوز أن يعمل بالرأي والقياس.
٢٠٤ ـ ٢٠٦ ـ ثم أمر سبحانه بالاستماع للقرآن عند قراءته