معناه : ان لوطا لما همّوا بأضيافه ، وجاهروا بذلك ، فالقوا جلباب الحياء فيه ، عرض عليهم نكاح بناته. وقيل : أراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له ، فإن كل نبي أبو أمته ، وأزواجه أمهاتهم (فَاتَّقُوا اللهَ) أي فاتقوا عقاب الله في مواقعة الذكور (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) أي لا تلزموني عارا ، ولا تلحقوا بي فضيحة ، ولا تخجلوني بالهجوم على أضيافي ، فإن الضيف إذا نزل به معرة لحق عارها للمضيف (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) أي أليس في جملتكم رجل قد أصاب الرشد فيعمل بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته ودعاهم إلى النكاح المباح ، أي ما لنا في بناتك من حاجة (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) أي تعلم ميلنا إلى الغلمان دون النساء ، فلما لم يقبلوا الموعظة تأسف لوط على فقد تمكنه من دفاعهم بأن (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) أي منعة وقدرة وجماعة أتقوى بها عليكم فادفعكم عن أضيافي (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) أو انضم إلى عشيرة منيعة تنصرني ، وشيعة تمنعني لدفعتكم ، ولكن لا يمكنني أن أفعل ذلك. قال الصادق (ع) فقال جبرائيل لو يعلم أيّ قوة له قال : فكابروه حتى دخلوا البيت فصاح به جبرائيل : أن يا لوط دعهم يدخلوا ، فلما دخلوا أهوى جبرائيل باصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قوله : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) ولما رأت الملائكة ما لقيه لوط من قومه (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) أرسلنا لهلاكهم فلا تغتم (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) أي لا ينالونك بسوء أبدا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) أي سر بأهلك ليلا (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي في ظلمة الليل (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لا ينظر أحد منكم وراءه كأنهم تعبدوا بذلك للنجاة بالطاعة في هذه العبادة (إِلَّا امْرَأَتَكَ) معناه : إلّا امرأتك لا تسر بها (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) أي يصيبها من العذاب ما أصابهم ، أمروه أن يخلفها في المدينة (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) لما أخبر الملائكة لوطا بأنهم يهلكون قوم لوط قال لهم : أهلكوهم الساعة ، لضيق صدره بهم ، وشدة غيظه عليهم ، قالوا له إنّ موعد إهلاكهم الصبح وإنما قالوا له : أليس الصبح بقريب تسلية له (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) جاء أمرنا بالعذاب (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي قلبنا القرية اسفلها اعلاها ، فإن الله تعالى أمر جبرائيل (ع) فأدخل جناحه تحت الأرض فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ، ونباح الكلاب ، ثم قلبها ، ثم خسف بهم الأرض فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً) أي وأمطرنا على القرية ، أي على الغائبين منها حجارة. وكانت أربع مدائن وهي المؤتفكات : سدوم وعاموراء ودوما وصبوايم ، واعظمها سدوم وكان لوط يسكنها (مِنْ سِجِّيلٍ) هو طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء (مَنْضُودٍ) هو من صفة سجيل ، أي نضد بعضها على بعض حتى صار حجرا (مُسَوَّمَةً) هي من صفة الحجارة ، أي معلمة جعل فيها علامات تدلّ على أنها معدّة للعذاب (عِنْدَ رَبِّكَ) أي في خزائن ربك التي لا يملكها غيره ، ولا يتصرف فيها أحد إلّا بأمره (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي وما تلك الحجارة من الظالمين من أمتك يا محمد ببعيد قال قتادة : ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط فاتقوا الله وكونوا منه على حذر ، وقال : كانوا ربعة آلاف ألف.
٨٤ ـ ٩٥ ـ ثم عطف سبحانه قصة شعيب على ما تقدّمها من قصص الأنبياء عليهمالسلام فقال (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى أهل مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) ومدين : اسم القبيلة ، أو المدينة التي كانوا فيها (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قد سبق تفسيره (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي ولا تنقصوا حقوق الناس بالتطفيف عند الكيل والوزن (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي برخص السعر والخصب والمعنى : انه حذّرهم الغلاء ، وزوال النعمة ، وحلول النقمة إن لم يتوبوا (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) وصف اليوم بالإحاطة