(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) أي بدلا عنه ، إنما قالوا هذا لما علموا أنه استحقه ، فسألوه أن يأخذ عنه بدلا شفقة على والدهم ، ورققوا في القول على وجه الإسترحام ومعناه : كبيرا في السن وقيل كبيرا في القدر لا يحبس ابن مثله (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إلينا في الكيل وردّ البضاعة ، وفي الضيافة ، ونحن نأمل هذا منك لإحسانك إلينا ، فأجابهم يوسف بأن (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) أي أعوذ بالله أن آخذ البريء بجرم السقيم ، وقال : (مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ولم يقل من سرق تحرزا من الكذب (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) أي لو فعلنا ذلك لكنا ظالمين (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) أي فلما يئس أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه من تخلية سبيل ابن يامين معهم (خَلَصُوا نَجِيًّا) أي انفردوا عن الناس من غير أن يكون معهم من ليس منهم يتناجون فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم ، ويتدبرون في أنهم يرجعون أم يقيمون ، وتلخيصه : اعتزلوا عن الناس متناجين وهذا من ألفاظ القرآن التي هي في الغاية القصوى من الفصاحة والإيجاز في اللفظ مع كثرة المعنى (قالَ كَبِيرُهُمْ) وهو روبين وكان أسنهم ، وهو ابن خالة يوسف ، وهو الذي نهى إخوته عن قتله (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أراد به الوثيقة التي طلبها منهم يعقوب حين قال : لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به ، فذكرهم ذلك (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) أي قصرتم في أمره وكنتم قد عاهدتم أباكم أن تردوه إليه سالما فنقضتم العهد (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) أي لا أزال بهذه الأرض ولا أزول عنها وهي أرض مصر (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) في البراح والرجوع إليه (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) بما يكون عذرا لنا عند أبينا (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لا يحكم إلّا بالحق قالوا : انه قال لهم : انا أكون هاهنا واحملوا أنتم الطعام إليهم فاخبروهم بالواقعة.
٨١ ـ ٨٧ ـ ثم أخبر سبحانه أنه قال لهم كبيرهم في السن أو في العلم (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) في الظاهر (وَما شَهِدْنا) عندك بهذا (إِلَّا بِما عَلِمْنا) أي بما شهدنا من أن الصاع استخرج من رحله في الظاهر ، وبيّن بهذا أنهم لم يكونوا قاطعين على أنه سرق وقيل معناه ما شهدنا عند يوسف أن السارق يسترق إلا بما علمنا أن الحكم ذلك ولم نعلم أن ابنك سرق أم لا إلا أنه وجد الصاع عنده فحكم بأنه السارق في الظاهر والسارق يؤخذ بسرقته ويسترق (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) أي إنا لم نعلم الغيب حين سألناك أن تبعث ابن يامين معنا ، ولم ندر أن أمره يؤل إلى هذا وإنما قصدنا به الخير ، ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به ، عن مجاهد وقتادة والحسن. وقال علي بن عيسى : علم الغيب هو علم من لو شاهد الشيء لشاهده بنفسه لا بأمر يستفيده ، والعالم بهذا المعنى هو الله وحده جلّ اسمه. وقيل معناه : ما كنا لسرّ هذا الأمر حافظين ، وبه عالمين ، فلا ندري أنه سرق أم كذبوا عليه ، وإنما أخبرناك بما شاهدنا عن عكرمة ، وقيل معناه : ما كنا لغيب ابنك حافظين ، أي انا كنا نحفظه في محضره ، وإذا غاب عنا ذهب عن حفظنا (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي أهل القرية (الَّتِي كُنَّا فِيها) والقرية. مصر ومعناه : سل من شئت من أهل مصر عن هذا الأمر فإن هذا أمر شائع فيهم يخبرك به من سألته ، وإنما قالوا ذلك لأن بعض أهلها كانوا قد صاروا إلى الناحية التي كان فيها أبوهم ، والعرب تسمي الأمصار والمدائن قرى (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) أي وسل أهل القافلة التي قدمنا فيها وكانوا من جيران يعقوب وإنما حذف المضاف للإيجاز ولأن المعنى مفهوم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أخبرناك به (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) تقديره : فلما رجعوا إلى أبيهم وقصّوا عليه القصة قال لهم : ما عندي أن الأمر على ما تقولونه ، بل سولت لكم أنفسكم أمرا فيما أظن (فَصَبْرٌ