عن ابن عباس فليأتكم بما ترزقون أكله (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي وليدقق النظر ، ويتحيل حتى لا يطلع عليه (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أي لا يخبرنّ بكم ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أي يشرفوا ويطلعوا عليكم ، ويعلموا بمكانكم (يَرْجُمُوكُمْ) أي يقتلوكم بالرجم ، وهو من أخبث القتل (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أي يردّوكم إلى دينهم (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) معناه : ومتى فعلتم ذلك لن تفوزوا ابدا بشيء من الخير.
٢١ ـ ٢٤ ـ (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا وأعثرنا عليهم أهل المدينة (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والثواب والعقاب (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) أي ان القيامة لا شك فيها ، فإن من قدر على ان ينيم جماعة تلك المدة المديدة أحياء ثم يوقظهم قدر أيضا على ان يميتهم ثم يحييهم بعد ذلك (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ان معناه : إذ يتنازعون في قدر مكثهم في الكهف ، وفي عددهم ، وفيما يفعل بهم بعد أن اطلعوا عليهم ، وذلك انه لما دخل الملك عليهم مع الناس ، وجعلوا يسألونهم ، سقطوا ميتين ، فقال الملك : ان هذا الأمر عجيب فما ترون؟ فاختلفوا ، فقال بعضهم : ابنوا عليهم بنيانا كما تبنى المقابر ، وقال بعضهم : اتخذوا مسجدا على باب الكهف ، وهذا التنازع منهم كان بعد العلم بموتهم (فَقالُوا) أي قال مشركو ذلك الوقت (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) أي استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان كما يقال : بنى عليه جدارا إذا حوطه وجعله وراء الجدار (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) معناه : ربهم أعلم بحالهم فيما تنازعوا فيه (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) يعني الملك المؤمن وأصحابه (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) أي معبدا وموضعا للعبادة والسجود ، وقيل مسجدا يصلي فيه أهل الكهف اذا استيقظوا ، ودلّ ذلك على ان الغلبة كانت للمؤمنين ثم بيّن سبحانه تنازعهم في عددهم فقال (سَيَقُولُونَ) أي سيقول قوم من المختلفين في عددم (ثَلاثَةٌ) أي هم ثلاثة (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ) أي ويقول آخرون هم (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي قذفا بالظن من غير يقين (وَيَقُولُونَ) أي ويقول آخرون هم (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وهذا اخبار من الله تعالى بأنه سيقع نزاع في عددهم ، ثم وقع ذلك لما وفد نصارى نجران إلى النبي (ص) فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبية منهم : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقالت النسطورية : كانوا خمسة سادسهم كلبهم ، وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم (قُلْ) يا محمد (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) من الناس (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) أي فلا تجادل الخائضين في عددهم وشأنهم (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) فيه وجوه (أحدها) لا تجادلهم إلّا بما اظهرنا لك من امرهم عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ، أي لا تجادل إلّا بحجة ودلالة واخبار من الله سبحانه وهو المراء الظاهر (وثانيها) ان المراد لا تجادلهم إلّا جدالا ظاهرا وهو ان تقول لهم أثبتم عددا وخالفكم غيركم وكلا القولين يحتمل الصدق والكذب فهلموا بحجة تشهد لكم (وثالثها) ان المراد إلّا مراء يشهده الناس ويحضرونه فلو اخبرتهم في غير ملا من الناس لكذبوا عليك ولبّسوا على الضعفة فادعوا انهم كانوا يعرفون وانّ ذلك من غوامض علومهم (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) معناه : ولا تستخبر في أهل الكهف وفي مقدار عددهم من أهل الكتاب أحدا ، ولا تستفت من جهتهم عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، والخطاب للنبي (ص) والمراد غيره لئلا يرجعوا في ذلك إلى مساءلة اليهود ، فإنه كان واثقا بخبر الله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) قد ذكر في معناه وجوه (منها) أنه نهي من الله تعالى لنبيه (ص) أن يقول : إني أفعل شيئا في الغد إلّا