الجنة وذكرهم فيها أن يقولوا (سُبْحانَكَ اللهُمَ) يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يتلذّذون بالتسبيح (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلّموا بعده بشيء بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه.
١١ ـ ١٢ ـ ثم عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا ، المطمئنين إليها ، الغافلين عن الآخرة فقال (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) أي اجابة دعوتهم في الشر إذا دعوا به على أنفسهم وأهاليهم عند الغيظ والضجر واستعجلوه مثل قول الإنسان : رفعني الله من بينكم وقوله لولده : اللهم العنه ولا تبارك فيه (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) أي كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي لفرغ من اهلاكهم ولكن الله تعالى لا يعجل لهم الهلاك بل يمهلهم حتى يتوبوا وقيل معناه ولو يعجّل الله للناس العقاب الذي استحقّوه بالمعاصي كما يستعجلون خير الدنيا وربما أجيبوا إلى ما سألوه إذا اقتضيت المصلحة ذلك لفنوا لأن بنية الإنسان في الدنيا لا تحتمل عقاب الآخرة بل لا تحتمل ما دونه والله سبحانه يوصله إليهم في وقته وسمي العقاب شرّا من جهة المشقة والأذى الذي فيه وفائدته انه لو تعجلت العقاب لزال التكليف ولا يزول التكليف إلّا بالموت وإذا عوجلوا بالموت لم يبق أحد (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي فندع الذين لا يخافون البعث والحساب يتحيّرون في كفرهم وعدولهم عن الحق إلى الباطل ، وتمردهم في الظلم ، والعمه : شدة الحيرة : ثم أخبر سبحانه عن قلة صبر الإنسان على الضرر والشدائد فقال (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) أي المشقة والبلاء ، والمحنة من محن الدنيا (دَعانا لِجَنْبِهِ) أي دعانا لكشفه مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) أي على أي حال كان عليها واجتهد في الدعاء وسؤال العافية ، وليس غرضه بذلك نيل ثواب ، وقيل إنّ تقديره : وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا لكشفه وفيه تقديم وتأخير (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ) أي فلما أزلنا عنه ذلك الضرر ، ووهبنا له العافية (مَرَّ) أي استمر على طريقته الأولى معرضا عن شكرنا (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) أي كأن لم يدعنا قط لكشف ضره ، ولم يسألنا إزالة الألم عنه (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي كما زين لهم الشيطان واقرانهم الغواة ترك الدعاء عند الرخاء زينوا للمسرفين : أي للمشركين عملهم.
١٣ ـ ١٤ ـ ثم أخبر سبحانه عما نزل بالأمم الماضية من المثلات ، وحذر هذه الأمة عن مثل مصارعهم فقال (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بأنواع العذاب (لَمَّا ظَلَمُوا) أنفسهم بأن أشركوا وعصوا (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الظاهرة ، والدلالات الواضحة (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) هذا اخبار بأن هذه الأمم إنما أهلكوا لما كانوا في المعلوم أنهم لو بقوا لم يكونوا يؤمنون بالرسل الذين أتوهم ، والكتب التي جاؤوهم بها (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي كذلك نعذّب القوم المشركين في المستقبل إذا لم يؤمنوا بعد قيام الحجة عليهم (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا أمة محمد (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد القرون التي أهلكناهم ومعناه : أسكناهم الأرض خلفهم (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي لنرى عملكم أين يقع من عمل اولئك ، أتقتدون بهم فتستحقون من العقاب مثل ما استحقوه ، أم تؤمنون فتستحقون الثواب؟
١٥ ـ ١٧ ـ ثم أخبر سبحانه عن مشركي قريش فقال (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) المنزلة في القرآن (بَيِّناتٍ) أي واضحات في الحلال والحرام وسائر الشرائع (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) أي لا يؤمنون بالبعث والنشور فلا يخشون عقابنا ، ولا