السجن (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) أي أأملاك متباينون من حجر وخشب لا تضرّ ولا تنفع خير لمن عبدها أم الله الواحد القهار الذي إليه الخير والشر والنفع والضر وهذا ظاهره الإستفهام والمراد به التقرير والزام الحجة والقاهر هو القادر الذي لا يمتنع عليه شيء (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) خطاب لجميع من في الحبس : ان هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله ، وسميتموها بأسماء يعني : الأرباب والآلهة ، هي أسماء فارغة عن المعاني لا حقيقة لها ، ما أنزل الله من حجة بعبادتها (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي ما الحكم والأمر لا لله فلا يجوز العبادة والخضوع والتذلل إلا لله (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي وقد أمركم أن لا تعبدوا غيره (ذلِكَ) أي ذلك الذي بيّنت لكم من توحيده وعبادته ، وترك عبادة غيره (الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي الدين المستقيم الذي لا عوج فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ما للمطيعين من الثواب ، وللعاصين من العقاب ثم عبّر (ع) رؤياهما فقال (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) بدأ بما هو الأهم وهو الدعاء إلى توحيد الله وعبادته ثم بتعبير رؤيا الساقي فروي أنه قال : أما العناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن ثم يخرجك الملك اليوم الرابع وتعود إلى ما كنت عليه ، وأجرى على مالكه صفة الرب لأنه عبده فأضافه إليه كما يقال : رب الدار ورب الضيعة (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) يريد بالآخر صاحب الطعام ، روي أنه قال : بئس ما رأيت ، أما السلال الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن ثم يخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك ، فقال عند ذلك : ما رأيت شيئا وكنت ألعب ، فقال يوسف (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي فرغ من الأمر الذي تسألان وتطلبان معرفته ، وما قلته لكما فإنه نازل بكما وهو كائن لا محالة ، وفي هذا دلالة على أنه كان يقول ذلك على جهة الإخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر أحدنا الرؤيا على جهة التأويل (وَقالَ) يوسف (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) معناه : للذي علم من طريق الوحي أنه ناج ، أي متخلص (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي اذكرني عند سيدك بأني محبوس ظلما (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف عند الملك فلم يذكره حتى لبث في السجن (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) أي سبعة سنين ، وروي عن أبي عبد الله (ع) قال : جاء جبرائيل (ع) فقال : يا يوسف من جعلك أحسن الناس؟ قال : ربي قال : فمن حبّبك إلى أبيك دون إخوانك؟ قال : ربي قال : فمن ساق إليك السيارة؟ قال : ربي قال : فمن أنقذك من الجب؟ قال : ربي قال : فمن صرف عنك كيد النسوة؟ قال : ربي قال : فإنّ ربك يقول : ما دعاك إلى أن تنزل حاجتك بمخلوق دوني؟ البث في السجن بما قلت بضع سنين ، وعنه في رواية أخرى قال : فبكى يوسف عند ذلك فتأذى ببكائه أهل السجن ، فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما ، فكان في اليوم الذي يسكت أسوأ حالا.
٤٣ ـ ٤٩ ـ ثم أخبر سبحانه عن سبب نجاة يوسف من السجن ، وهو أنه لما قرب الفرج رأى الملك رؤيا هالته وأشكل تعبيرها على قومه حتى عبرها يوسف فقال سبحانه (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) يعني وقال ملك مصر وهو الوليد بن ريان والعزيز وزيره فيما رواه الأكثرون : اني أرى في منامي سبع بقرات سمان (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ) أي سبع بقرات أخر (عِجافٌ) أي مهازيل ، فدخلت السمان في بطون المهازيل حتى لم أر منهن شيئا (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) أي وأرى في منامي سبع سنبلات قد انعقد حبها (وَأُخَرَ) أي وسبعا أخر