ومقابلة حتى يواجهوها ومعناه : انهم من شدة عنادهم وتركهم الإنقياد والإذعان للحق يشكون في المشاهدات التي لا يشك فيها (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند هذه الآيات (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يجبرهم على الإيمان والمعنى : انهم قط لا يؤمنون مختارين إلّا أن يكرهوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ان الله قادر على ذلك.
١١٢ ـ ١١٣ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) أي وكما جعلنا لك شياطين من الإنس والجن أعداء كذلك جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء وأممهم ، ومعنى قوله : وجعلنا انه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لأنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل وأمرهم بدعائهم إلى الإسلام والإيمان ، وخلع ما كانوا يعبدونه من الأصنام والأوثان ، نصبوا عند ذلك العداوة لأنبيائه (ع). والمراد بشياطين الإنس والجن مردة الكفّار من الفريقين (يُوحِي) أي يوسوس ويلقي خفية (بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي المموه المزين الذي يستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل (غُرُوراً) أي ليغروهم بذلك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) أخبر سبحانه انه لو شاء ان يمنعهم من ذلك جبرا ، ويحول بينهم وبينه لقدر على ذلك ، ولو حال بينهم وبينه لما فعلوه ، ولكنه خلّى بينهم وبين أفعالهم إبقاء للتكليف ، وامتحانا للمكلفين (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) أي دعهم وافتراءهم الكذب فإني أجازيهم وأعاقبهم. أمر سبحانه نبيّه (ص) بأن يخلي بينهم وبين ما يفترون (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ) أي ولتميل إلى هذا القول المزخرف (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) المراد بالأفئدة أصحاب الأفئدة ولكن لما كان الإعتقاد في القلب ، وكذلك الشهوة أسند الصغو إلى القلب (وَلِيَرْضَوْهُ) أي وليكتسبوا من الإثم والمعاصي (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) أي مكتسبون في عداوة النبي والمؤمنين.
١١٤ ـ (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) أي أطلب سوى الله حكما والمعنى : هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم الله رغبة عنه؟ أو هل يجوز أن يكون حكم سوى الله يساويه في حكمه؟ (وَهُوَ الَّذِي) يعني والله الذي (أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) أي القرآن (مُفَصَّلاً) فصّل فيه جميع ما يحتاج إليه (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني بهم مؤمني أهل الكتاب (يَعْلَمُونَ أَنَّهُ) أي ان القرآن (مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) يعني ببيان الحق فترغيبه وترهيبه ووعده ووعيده وقصصه وأمثاله وغير ذلك جميعه بهذه الصفة (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي من الشاكين في ذلك.
١١٥ ـ (وَتَمَّتْ) أي كملت على وجه لا يمكن أحدا الزيادة فيه والنقصان منه (كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي القرآن (صِدْقاً وَعَدْلاً) ما كان في القرآن من الأخبار فهو صدق لا يشوبه كذب ، وما فيه من الأمر والنهي والحكم والإباحة والحظر فهو عدل (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لا مغير لأحكامه وقيل معناه : ان القرآن محروس عن الزيادة والنقصان ، فلا مغير لشيء منه ، وذلك ان الله تعالى ضمن حفظه في قوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) بضمائركم.
١١٦ ـ ١١٧ ـ (وَإِنْ تُطِعْ) يا محمد خاطبه (ص) والمراد غيره والطاعة : هي امتثال الأمر ، وموافقة المطيع المطاع فيما يريده منه (أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني الكفار وأهل الضلالة ، وإنما ذكر الأكثر لأنه علم سبحانه ان منهم من يؤمن ويدعو إلى الحق ، ويذبّ عن الدين ولكن هم الأقل ، والأكثر الضلال (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دينه. وفي هذا دلالة على انه لا عبرة في دين الله ومعرفة الحق بالقلة والكثرة لجواز ان يكون الحق مع الأقل ، وانما الاعتبار فيه بالحجة دون القلة والكثرة