(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ما تحتاجون إليه من أمور دينكم (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي عليم بذلك وبكل ما سواه من المعلومات وذكر علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره ان في البقرة خمسمائة حكم ، وفي هذه الآية خاصة خمسة عشر حكما.
٢٨٣ ـ ثم ذكر سبحانه حكم الوثيقة بالرهن عند عدم الوثيقة بالاشهاد (وَإِنْ كُنْتُمْ) أيها المتداينون المتبايعون (عَلى سَفَرٍ) أي مسافرين (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) للصك ، ولا شهودا تشهدونهم (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) التقدير : فرهان مقبوضة يقوم مقام الوثيقة بالصك والشهود (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي فإن أمن صاحب الحق الذي عليه الحق ، ووثق به وائتمنه على حقه ، ولم يستوثق منه بصك ولا رهن (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) أي الذي عليه الحق (أَمانَتَهُ) بأن لا يجحد حقه ، ولا يبخس منه شيئا ، ويؤديه إليه وافيا وقت محله من غير مطل ولا تسويف (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) معناه : وليتق الذي عليه الحق عقوبة الله ربه فيما ائتمن عليه بجحوده أو النقصان منه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) هو خطاب للشهود ونهي لهم عن كتمان الشهادة إذا دعوا إليها (وَمَنْ يَكْتُمْها) أي ومن يكتم الشهادة مع علمه بالمشهود به ، وعدم إرتيابه فيه ، وتمكنه من أدائها من غير ضرر بعد ما دعي إلى إقامتها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم ، كما ان إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح قال تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) أي ما تسرونه وتكتمونه (عَلِيمٌ) روي عن النبي (ص) أنه قال : لا ينقضي كلام شاهد زور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار ، وكذلك من كتم الشهادة. وفي قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) دلالة على أن الإشهاد والكتابة في المداينة ليسا بواجبين.
٢٨٤ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له تصريف السماوات والأرض وما فيهما وتدبيرهما لقدرته على ذلك ، ولأنه الذي أبدعهما وأنشأهما ، فجميع ذلك ملكه يصرّفه كما يشاء (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) أي تظهروا ما في أنفسكم من الطاعة والمعصية (أَوْ تُخْفُوهُ) أي تكتموه (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) أي يعلم الله ذلك فيجازيكم عليه ، (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أي يغفر لمن يشاء منهم رحمة وفضلا (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) منهم ممن يستحق العقاب عدلا (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من المغفرة والعذاب.
٢٨٥ ـ لما ذكر الله تعالى فرض الصلاة والزكاة وأحكام الشرع وأخبار الأنبياء ختم السورة بذكر تعظيمه وتصديق نبيه (ص) بجميع ذلك فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ) أي صدّق محمد (ص) (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) من الأحكام المذكورة في السورة وغيرها (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ) أي كل واحد منهم (آمَنَ بِاللهِ) أي صدق بإثباته وصفاته ، ونفي التشبيه عنه ، وتنزيهه عما لا يليق به (وَمَلائِكَتِهِ) أي وبملائكته وبأنهم معصومون مطهرون (وَكُتُبِهِ) أي وبأن القرآن وجميع ما أنزل من الكتب حقّ وصدق (وَرُسُلِهِ) وبجميع أنبيائه (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) أي ويقولون : لا نفرق بين أحد من رسل الله في الإيمان بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعله أهل الكتاب من اليهود والنصارى (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) معناه : سمعنا قولك وأطعنا أمرك (غُفْرانَكَ رَبَّنا) يقولون : نسألك غفرانك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) معناه : إلى جزائك المصير.
٢٨٦ ـ ثم بيّن سبحانه أنه فيما أمر ونهى لا يكلف إلا دون الطاقة فقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي لا يأمر ولا ينهى أحدا إلّا ما هو له مستطيع وقيل : إن معنى قوله : إلّا وسعها : إلّا يسرها دون عسرها ، ولم يكلفها طاقتها ، ولو كلفها طاقتها لبلغ المجهود منها وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ) معناه : لها