الإبن من أبيه والنصارى لما قالوا : المسيح ابن الله جعلوا نفوسهم أبناء الله وأحباءه (قُلْ) لهؤلاء المفترين على ربهم (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) أي فلأي شيء يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر على ما زعمتم؟ فإن الأب يشفق على ولده ، والحبيب على حبيبه فلا يعذبه ، وهم يقرون بأنهم يعذبون أربعين يوما عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أي ليس الأمر على ما قلتم : انكم أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم خلق من بني آدم إن أحسنتم جوزيتم على إحسانكم وإن أسأتم جوزيتم على إساءتكم كما يجازى غيركم (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وإنما علّق العذاب بالمشيئة مع انه سبحانه لا يشاء العقوبة إلّا لمن كان عاصيا لما في ذلك من البلاغة والإيجاز برد الأمور إلى العالم الحكيم الذي يجريها على وجه الحكمة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يملك ذلك وحده لا شريك له يعارضه (وَما بَيْنَهُما) أي ما بين الصنفين (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) معناه : ويؤول إليه أمر العباد فلا يملك ضرهم ونفعهم غيره.
١٩ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) يعني محمدا (ص) (يُبَيِّنُ لَكُمْ) أي يوضح لكم اعلام الدين. وفيه دلالة على انه سبحانه اختصه من العلم بما ليس مع غيره (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أي على انقطاع من الرسل ، ودروس من الدين والكتب (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) معناه : قد جاءكم رسولنا كراهة ان تقولوا ، أو لأن لا تقولوا محتجين يوم القيامة : ما جاءنا بشير بالثواب على الطاعة ، ولا نذير بالعقاب على المعصية ، ثم بيّن سبحانه انه قد قطع عنهم عذرهم ، وأزاح علتهم بإرسال رسوله فقال : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) وهو محمد (ص) ، يبشر كل مطيع بالثواب ، ويخوّف كل عاص بالعقاب (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ظاهر المعنى.
٢٠ ـ ٢١ ـ ثم ذكر سبحانه صنع اليهود في المخالفة لنبيّهم تسلية لنبينا (ص) فقال : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) أي واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وأياديه لديكم وآلاءه فيكم (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) يخبرونكم بأنباء الغيب ، وتنصرون بهم على الأعداء ، ويبينون لكم الشرائع (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) بأن سخر لكم من غيركم خدما يخدمونكم (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أي أعطاكم ما لم يؤت أحدا من عالمي زمانهم. ثمّ كلفهم سبحانه دخول الأرض المقدسة بعد ذكر النعم فقال : (يا قَوْمِ) حكاية عن خطاب موسى (ع) لقومه (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) وهي بيت المقدس والمقدسة : المطهرة ، طهرت من الشرك وجعلت مكانا وقرارا للأنبياء والمؤمنين (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي كتب في اللوح المحفوظ انها لكم وقيل معناه : وهب الله لكم (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) أي لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) الثواب في الآخرة ، وإنما قال ذلك لأنهم كانوا أمروا بدخولها كما أمروا بالصلاة وغيرها عن قتادة والسدي.
٢٢ ـ ٢٤ ـ ثم ذكر جواب القوم فقال سبحانه (قالُوا) يعني بني إسرائيل (يا مُوسى إِنَّ فِيها) أي في الأرض المقدسة (قَوْماً) أي جماعة (جَبَّارِينَ) شديدي البطش والبأس والخلق (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) يعني لقتالهم (حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا) يعني الجبارين (مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ) من جملة النقباء الذين بعثهم موسى ليعرف خبر القوم ، هما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) الله تعالى (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالتوفيق للطاعة