حذف ما أضيفا إليه ، خالفا الأسماء ، وشابها الحروف ، فبنيا كما تبنى الحروف ، وكان أصلهما أن يبنيا على سكون ، لأنّه أصل البناء ، لكن قبل الآخر (١) ساكن ، وأيضا فإنّه قد كان لهما في الأصل تمكّن ، لأنهما يعربان إذا أضيفا أو نكّرا فبنيا على حركة ، وأيضا فإنّه لم يكن بدّ من حركة أو حذف ، ولا يمكن الحذف في حروف السلامة ، وحرك الثاني لأنّ البناء فيه ، وإنما وجب أن تكون الحركة ضمّا دون الكسر ودون الفتح ، لأنهما أشبها المنادى المفرد ، إذ المنادى يعرب إذا أضيف أو نكّر ، كما يفعل بهما ، فبنيا على الضم كما بني المنادى المفرد.
وقد قال عليّ بن سليمان : إنما بنيا لأنهما متعلقان بما بعدهما ، فأشبها الحروف ، إذ الحروف متعلقة بغيرها لا تفيد شيئا ، إلّا بما بعدها. وقيل : إنما بنيا على الضم لأنهما غايتان ، وقد اقتصر عليهما ، وحذف ما بعدهما ، فبنيا لمخالفتهما الأسماء ، وأعطيا الضم ، لأنّه غاية الحركات.
وقيل : لمّا تضمنا المحذوف بعدهما صارا كبعض الاسم ، وبعض [الاسم] مبني. وقال الفرّاء (٢) : لمّا ضمّنا معنيين ، يعني معناهما في أنفسهما ، ومعنى ما بعدهما المحذوف ، بنيا وأعطيا الضمة ، لأنّهما أقوى الحركات. وقال هشام : لمّا لم يجز أن يفتحا ، فيشبها حالهما في الإضافة ، ولم يجز أن يكسرا ، فيشبها المضاف إلى المخاطب ، ولم يسكّنا ؛ لأنّ ما قبل الآخر ساكن ، لم يبق إلّا الضم فأعطياه.
وأجاز الفراء (٣) : رأيتك بعد ، بالتنوين رفع ، و «بعدا» بالنصب منوّنا ، وهما معرفة. وأجاز هشام : رأيتك بعد يا هذا ، بالفتح غير منوّن ، على إضمار المضاف. ومعنى الآية : لله الأمر من قبل كل شيء ومن بعد كل
__________________
(١) في هامش(ح) : «أي قبل آخر(قبل وبعد)ساكن ، وهو الباء والعين ، فحذفا لئلا يلتقي ساكنان».
(٢) معاني القرآن ٣١٩/٢ ـ ٣٢٠.
(٣) معاني القرآن ٣١٩/٢ ـ ٣٢٠.