إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) فالصراط المشروع الذي كان هنا معنى ينصب في الآخرة حسا محسوسا ، يقول الله لنا (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ولما تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية خط خطا وخط عن جنبتيه خطوطا ، وهذا الصراط صراط التوحيد ولوازمه وحقوقه ، فالمشرك ما وحد الله هنا ، فهو من الموقف إلى النار مع المعطلة ومن هو من أهل النار الذين هم أهلها ، إلا المنافقين ، فلابد لهم أن ينظروا إلى الجنة وما فيها من النعيم فيطمعون ، فذلك نصيبهم من نعيم الجنان ، ثم يصرفون إلى النار ، وهذا من عدل الله ، فقوبلوا بأعمالهم ، والطائفة التي لا تخلد في النار إنما تمسك وتسأل وتعذب على الصراط. والصراط على متن جهنم غائب فيها ، والكلاليب التي فيه بها يمسكهم الله عليه ، وقد أتى في وصف الصراط الحسي أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ، وكذا هو علم الشريعة في الدنيا ، فالشرع هنا هو الصراط المستقيم ، فهو أحد من السيف وأدق من الشعر ، وظهوره في الآخرة محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا ، وقد ورد في الخبر أن الصراط يظهر يوم القيامة متنه للأبصار على قدر نور المارين عليه ، فيكون دقيقا في حق قوم وعريضا في حق آخرين ، فالطريق إلى الجنة على النار فلابد من الورود ، فعلى الحقيقة ما منا إلا من يردها ، فإنها الطريق إلى الجنة ، وإذ لم يبق في أرض الحشر من أهل الجنة أحد ، عاد الصراط كله نارا.
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا