(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) (١٠)
الفتوة ليس فيها شيء من الضعف ، إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة ، وهو عمر لإنسان من زمان بلوغه إلى تمام الأربعين من ولادته.
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٣)
الفتى هو من آثر أمر ربه على هوى نفسه ، والفتوة أن يؤثر الإنسان العلم المشروع الوارد من الله على ألسنة الرسل على هوى نفسه ، وعلى أدلة عقله وما حكم به فكره ونظره ، إذا خالف علم الشارع المقرر له ـ بحث في الفتوة ـ الفتيان أهل علم وافر ، وهم الذين حازوا مكارم الأخلاق أجمعها ، ولا يتمكن أحد أن يكون حاله مكارم الأخلاق ما لم يعلم المحال التي يصرفها فيها ويظهر بها ، ولما لم يكن في وسع الإنسان أن يسع العالم بمكارم أخلاقه ، إذ كان العالم كله واقفا مع غرضه أو إرادته ، لا مع ما ينبغي ، فاختلفت الأغراض والإرادات وطلب كل صاحب غرض أو إرادة في الفتى أن يعامله بحسب غرضه وإرادته ، والأغراض متضادة ، فلما رأينا الأمر على هذا الحد وأنه لا يعمّ ، ولم يتمكن عقلا ولا عادة أن يقوم الإنسان في هذه الدنيا أو حيث كان في مقام يرضي المتضادين ، انبغى للفتى أن يترك هوى نفسه ويرجع إلى خالقه الذي هو مولاه وسيده ، ويقول : أنا عبد ، وينبغي للعبد أن يكون بحكم سيده ، لا بحكم نفسه ولا بحكم غير سيده ، يتبع مراضيه ويقف عند حدوده ومراسمه ، ولا يكن ممن جعل مع سيده شريكا في عبوديته ، فيكون مع سيده بحسب ما يحدّ له ، ويتصرف فيما يرسم له ، ولا يبالي وافق أغراض العالم أو خالفهم ، فإن وافق