يخزيك الله أبدا] لما ذكر له ابتداء نزول الناموس عليه ، فالذل صفة شريفة إذا كانت الذلة لله ، والخزي صفة ذميمة بكل وجه ، فالخزي الذي يقوم بالعبد إنما هو ما جناه على نفسه بجهله وتعديه رسوم سيده وحدوده ، فجميع مذام الأخلاق وسفسافها صفات مخزية عند الله وفي العرف ، فمن كان لله لم يذل ولا يخزى أبدا.
(قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) (١٣٥)
يقول الحقّ : وعزّتي وجلالي ، وما أخفيته من سنّي علمي لأعذّبنّ عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين ، من كذّب رسلي وكذّب اختصاصي لهم من سائر العباد ، وكذّب بصفاتي وادّعى أنه ليس لي صفة ، وأوجب عليّ وأدخلني تحت الحصر ، وكذّب كلامي وتأوّله من غير علم به ، وكذّب بلقائي ، وقال : إنّي لم أخلقه ، وإني غير قادر على بعثه كما بدأته ، وكذّب بحشري ونشري ، وحوض نبيّ وميزاني ، وصراطي ورؤيتي ، وناري وجنّتي ، وزعم أنّها أمثلة وعبارات ، المراد بها أمور فوق ما ظهر ، وعزّتي وجلالي لتردون وتعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ، ولأنتقمنّ في دار الخزي والعذاب منهم ، على ما أخبرت في كتبي ، كذّبوني وصدّقوا أهواءهم ، ونفوسهم سوّلت لهم الأباطيل ، وشياطينهم لعبت بهم (إنّكم وما تعبدون حصب جهنم أنتم لها ورادون) قف عند حدّي ، وانظر في كتابي ، فهو النور الجلي ، وفيه السرّ الخفي ، صراطي ممدود على ناري ، فالويل كل الويل لمن كذّبني ، كلّ حزب بما لديهم فرحون ، وكلّ له شرب معلوم ، وسيردون فيعلمون ، كأنّهم ما سمعوا (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود).