(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٦١)
اعلم أن الأيام في الدنيا كل يوم هو ابن اليوم قبله ، وهما توأمان ليلة ونهار ، فالليلة أنثى والنهار ذكر ، فيتناكحان فيلدان النهار والليل اللذين يأتيان بعدهما ، ويذهب الأبوان فإنهما لا يجتمعان أبدا ، وفي غشيان الليل النهار وإيلاج بعضهما في بعض يكون ولادة ما يتكون في كل واحد منهما من الأمور والكوائن التي هي من شؤون الحق ، فيكون الليل ذكرا والنهار أنثى لما يتولّد في النهار من الحوادث ، ويكون النهار ذكرا والليل أنثى لما يتولد في الليل من الحوادث ، فهذا التوالج لإيجاد ما سبق في علمه أن يظهر فيه من الأحكام والأعيان في العالم العنصري ، فنحن أولاد الليل والنهار ، فما حدث في النهار فالنهار أمه والليل أبوه ، وما ولد في الليل فالليل أمه والنهار أبوه ، ولا يزال الحال في الدنيا ما دام الليل والنهار يغشى أحدهما الآخر.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٦٢)
(هُوَ الْعَلِيُّ) لذاته لا بالإضافة ، لأن الكل تحت ذل الحصر والتقييد والعجز ، لينفرد جلال الله بالكمال على الإطلاق فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية ، بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها ، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة ، وليس علوه بالمكان ولا المكانة ، فإن علو المكانة يختص بولاة الأمر كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب ، سواء كان فيه أهلية ذلك المنصب أو لم يكن ، والعلو بالصفات ليس كذلك.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ