تعالى وسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإجماع العلماء ، فإذا عرفت هذا ولازمت العمل فأنت الموفق السعيد فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) هذا إعلام بأنهم علموا ثم طرأ النسيان على بعضهم ، فمنهم من استمر عليه حكم النسيان ، فنسوا الله فنسيهم ، ومنهم من ذكّر فتذكّر ، وهم أولوا الألباب وهم أرباب العقول التي لها ألباب ، وهو الفهم فيما يرد على العقول ، بما فيها من صفة القبول لما يرد من الله ، مما لا يقبله العقل الذي لا لب له من حيث فكره ، فمن رزق الفهم فقد رزق العلم ، وما كل من رزق العلم كان صاحب فهم.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠)
(بِغَيْرِ حِسابٍ) معيّن علمه عندنا ، وعند الله مقيد معلوم ، فالأجور المقيدة عندنا من عشر إلى سبعمائة ضعف ، والصبر يعم جميع الأعمال ، لأنه حبس النفس على الأعمال المشروعة ، فلهذا لم يأخذه المقدار ، والأعمال تأخذها المقادير ، فعلى قدر ما يقام فيه المكلّف من الأعمال إلى حين موته ، فهو يحبس نفسه عليها ، حتى يصح له حال الصبر واسم الصابر ، فيكون أجره غير معلوم ولا مقدّر عنده جملة واحدة ، وإن كان معلوما عند الله ، فإن الصابرين لما حبسوا أنفسهم مع الله على طاعته ، وعند وقوع البلايا والرزايا بهم من غير توقيت ، جعل الله جزاءهم على ذلك من غير توقيت ، فقال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) فما وقّت لهم فإنهم لم يوقّتوا ، فعمّ صبرهم جميع المواطن التي يطلبها الصبر.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (١٤)
وهو ما تعبّده به في هذا الموضع.