النفس الرحماني صورة الإيمان في قلوب المؤمنين والأحكام المشروعة ، وهذا الروح المنفوخ هو السر الذي عند المخلوق من الله ، فلا يراه إلا به ، ولا يسمع كلامه إلا به ، فإنه يتعالى ويتقدس أن يدرك إلا به ، فكل العناصر تجتمع على هذا السر الإلهي وتشتمل عليه ، وبه سبّحت الصورة بحمده ، وحمدت ربها إذ لا يحمده سواه ، ولو حمدته الصورة من حيث هي لا من حيث هذا السر لم يظهر الفضل الإلهي ولا الامتنان على هذه الصورة ، وقد ثبت الامتنان له على جميع الخلائق ، فثبت أن الذي كان من المخلوق لله من التعظيم والثناء إنما كان من ذلك السر الإلهي ، ففي كل شيء من روحه ، وليس شيء فيه ، فالحق هو الذي حمد نفسه ، وسبح نفسه ، وما كان من خير إلهي لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح فمن باب المنة لا من باب الاستحقاق الكوني ، فإن جعل الحق له استحقاقا فمن حيث أنه أوجب ذلك على نفسه. ـ إشارة ـ الأرواح المنفوخة في الأجسام من أصل مقدس نقي ، فإن كان المحل طيب المزاج زاد الروح طيبا ، وإن كان غير طيب خبّثه وصيّره بحكم مزاجه ، فرسل الله الذين هم خلفاؤه أطهر الناس محلا ، فهم المعصومون ، فما زادوا الطيب إلا طيبا ، وما عداهم من الخلفاء منهم من يلحق بهم ، وهم الورثة في الحال والفعل والقول ، ومنهم من يختل بعض اختلال وهم العصاة ، ومنهم من يكثر منه ذلك الاختلال وهم المنافقون ، ومنهم المنازع والمحارب وهم الكفار والمشركون ، فيبعث الله إليهم الرسل ليعذروا من نفوسهم إذا عاقبهم بخروجهم عليه واستنادهم إلى غيره الذي أقاموه إلها فيهم من أنفسهم ، والأرسال من الله إنما أرسلهم من كونه ملكا إلى النفوس الناطقة من عباده لكونهم مدبرين مدائن هياكلهم ، ورعاياهم جوارحهم الظاهرة ، وقواهم الباطنة ، فيبعث الله رسله إلى هذه النفوس الناطقة ، وهي التي تنفذ في الجوارح ما تنفذ من طاعة ومخالفة ، ولها قبول الرسالة والإقبال على الرسول والتحفي به أو الإهانة ، وقد يكون الرد بحسب ما أعطاها الله من الاستعداد من توفيق أو خذلان ، فجعل النفوس ملوكا على أبدانها ، وآتاها ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وهو طاعة رعاياها لها ، فالجوارح والقوى لا تعصي لها أمرا بوجه من الوجوه ، وسائر الملوك الذين رعاياهم غير متصلين بهم قد يعصون أوامر ملوكهم ، كما أن من هؤلاء الملوك من قد يعصي ما أمره به الملك الحق سبحانه وتعالى على لسان رسوله إليهم وقد يطيع ، فتوجيه الرسل وبعث الله إليهم ، أثبت لهم كونهم ملوكا ، فإن الرسل عرفاء لا تمشي إلا بين