فإن الصادق هو الله ، وهو قوله المشروع : [لا حول ولا قوة إلا بالله] فإذا كانت القوة به ـ وهي الصدق ـ فإضافتها إلى العبد إنما هو من حيث إيجادها فيه وقيامها به ، وإن قال عند سؤال الحق إياه عن صدقه : إنه لما صدق في فعله أو قوله في الدنيا ، لم يحضر في صدقه أن ذلك بالله كان منه ، كان صادقا في الجواب عند السؤال ، ونفعه ذلك عند الله في ذلك الموطن وحشر مع الصادقين ، وصدق في صدقه ، لهذا قال تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) فإذا ثبت لهم جازاهم به وهو قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) ـ إشارة ـ من لا قدم له عند الحق لا صدق له ، ومن لا صدق له سقط حظه من الحق ، والصدق مسؤول عنه ، فكيف غير الصدق؟!.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً) (١٣)
حقيقة العورة الميل ، فقالوا : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي مائلة تريد السقوط لما استنفروا ، فأكذبهم الله عند نبيه بقوله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) يعني بهذا القول مما دعوتهم إليه ـ إشارة ـ (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ) (أَهْلَ يَثْرِبَ) هم المحمديون من العارفين ، ولكن من باب الإشارة لا من باب النص والتفسير ، (لا مُقامَ لَكُمْ) لا نهاية لما تطلبون (فَارْجِعُوا) بالعجز عن الوصول أصلا ، لتحقق المعرفة بالجناب الأعز ، وهو