(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣٠)
فثبته الخطاب الأول بالنداء لأنه خرج على أن يقتبس نارا أو يجد على النار هدى ، وهو قوله : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي من يدله على حاجته ، فكان منتظرا للنداء ، قد هيأ سمعه وبصره لرؤية النار ، وسمعه لمن يدله عليها فالشجرة ظهر النور فيها للمكلّم موسى عليهالسلام ، فإنه كان طلب موسى عليهالسلام النار لأهله ، ليصلح به عيشهم ، ونودي في شجرة واديه ، من التشاجر ، وهو مقام تداخل المقامات ، لأنه مشهد للكلام ، والكلام متداخل المعاني على كثرتها ، فأشبه الشجرة ، فنودي من الشجرة وفي النار لأنها مطلوبه ، فلا يتغير عليه الحال ، فيسرع بالإجابة من غير انتقال من حال إلى حال ، فإن النار تراءت له متعلقة بالشجرة ، وأهل الكشف الذين يرون الوجود لله بكل صورة ، جعلوا الشجرة هي صورة المتكلم ، كما كان الحق لسان العبد وسمعه وبصره بهويته لا بصفته ، كما يظهر في صورة تنكر ويتحول إلى صورة تعرف ، وهو هو لا غيره ، إذ لا غير ، فما تكلم من الشجرة إلا الحق فالحق صورة شجرة ، وما سمع من موسى إلا الحق فالحق صورة موسى من حيث هو سامع ، كما هو الشجرة من حيث هو متكلم ، والشجرة شجرة وموسى موسى لا حلول ، لأن الشيء لا يحل في ذاته ، فإن الحلول يعطي ذاتين ، وهنا إنما هو حكمان ـ مسئلة ـ إن الملائكة إذا تكلم الله بالوحي كأنه سلسلة على صفوان تصعق الملائكة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا أنزل عليه الوحي كسلسلة على صفوان يصعق ، وهو أشد الوحي عليه ، فينزل جبريل على قلبه فيفنى عن عالم الحس ويرغو ويسجى إلى أن يسرى عنه ، وإنه لينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيتفصد جبينه عرقا ، وموسى صلىاللهعليهوسلم كلمه الله تكليما بارتفاع الوسائط ، وما صعق ولا زال عن حسه ، وقال وقيل له ، وهذا المقام أعظم من مقام الوحي بوساطة الملك ، فهذا الملك يصعق عند الكلام ، وهذا أكرم البشر يصعق عند نزول الروح بالوحي ، وهذا موسى لم يصعق ولا جرى عليه شيء مع ارتفاع الوسائط ، وصعق لذلك الجبل؟ اعلم أن موسى لما جاءه النداء بأمر مناسب لم ينكره وثبت ، فلما علم أن المنادي ربه وقد صح له الثبوت ، وجاء النداء من خارج لا من نفسه ثبت ليوفي الأدب حقه في