(وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) وقال تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) على أقل ما يولد من زمن الحمل ويعيش ، وهو ستة أشهر حملا وسنتان رضاعا على التمام ، وإن أتم الحمل المعتاد في الغالب وهو تسعة أشهر ، كانت مدة الرضاع حولين إلا ربع حول ، وهي إحدى وعشرون شهرا (أَنِ اشْكُرْ لِي) من الوجه الخاص ، فقدم نفسه سبحانه ليعرفك أنه السبب الأول والأولى ، ثم عطف وقال (وَلِوالِدَيْكَ) وذلك في مقام إيجاد عين العبد ، حيث كان إيجاده عند سبب اجتماع والديه بالنكاح وتعبهما في إيجاده ، فقال (وَلِوالِدَيْكَ) من الوجه السببي وهي الأسباب التي أوجدك الله عندها لتنسبها إليه سبحانه ، ويكون لها عليك فضل التقدم بالوجود خاصة ، لا فضل التأثير ، لأنه في الحقيقة لا أثر لها وإن كانت أسبابا لوجود الآثار ، فبهذا القدر صح لها الفضل ، وطلب منك الشكر ، وشكرهما هو أن تنسبهما إلى مالكهما وموجدهما ، (أَنِ اشْكُرْ لِي) هو قوله (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) في قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ) (وَلِوالِدَيْكَ) هو قوله (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) ففي هذه الآية شكر الله حقيقة ، وشكر السبب عن أمر الله عبادة من حيث أمرهم بشكره قال صلىاللهعليهوسلم : [لا يشكر الله من لم يشكر الناس] فمن علم أن الله هو المعطي لم يشكر غيره إلا بأمره ، ولذلك تمم فقال (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فالعامل في الكل حقا وخلقا الله ، ولذلك قال بعد أن شرك (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فوحد بعد أن شرّك في الشكر.
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥)
أمر الإنسان بالإحسان لأبويه والبر بهما ، وامتثال أوامرهما ما لم يأمره أحد الأبوين بمخالفة أمر الحق فلا يطيعه ، كما قال تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) فأمر باتباع المنيبين إلى الله ومخالفة نفوسهم إن أبت ذلك (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).