سوى الله ، فهذه الآية دليل على عدم تجلي الحق في الأفعال ، أعني نسبة ظهور الكائنات عن الذات التي تتكون عنها ، فما أشهدهم خلق السموات ولا الأرض ولا خلق أنفسهم ، أي صدورها إلى الوجود ، أراد حالة الإيجاد ، فما شاهد أحد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها ، فإن الخلق يريد به المخلوق في موضع ، مثل قوله (هذا خلق الله) ويريد به الفعل في موضع ، مثل قوله (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ) فهنا يريد به الفعل بلا شك ، لأنه ليس لمخلوق فعل أصلا ، فما فيه حقيقة من الله يشهد بها فعل الله ، وما لمخلوق مما سوى الله ولا العقل الأول أن يعقل كيفية اجتماع نسب يكون عن اجتماعها عين وجودية مستقلة في الظهور وغير مستقلة في الغنى ، مفتقرة بالإمكان المحكوم عليها به ، وهذا علم لا يعلمه إلا الله تعالى ، وليس في الإمكان أن يعلمه غير الله تعالى ، ولا يقبل التعليم ، أعني أن يعلّمه الله من شاء من عباده ، فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، والعلم بذات الحق محال حصوله لغير الله ، فمن المحال حصول العلم بالعالم أو بالإنسان نفسه أو بنفس كل شيء لنفسه لغير الله ، فتفهم هذه المسئلة فإني ما سمعت ولا علمت أن أحدا نبه عليها وإن كان يعلمها ، فإنها صعبة التصور ، مع أن فحول العلماء يقولون بها ولا يعلمون أنها هي (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) يعتضد بهم.
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤)
الصمت حكمة وقليل فاعله ، فمن تكلم بالله كانت الحجة له ، فإن الحجة البالغة لله ، ومن تكلم بنفسه كان محجوبا ، كما أن الحق إذا تكلم بعبده كان كلامه ظاهرا بحيث يقتضيه مقام عبده ، فإذا رد الجواب عليه عبده به لا بنفسه ، وظهر حكمه على كلام ربه ، نادى الحق عليه (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) وإن قال الحق ، ولكن ما كل حق يحمد ،