تَعْمَلُونَ) فهو العامل ، فالعارف يبذل المجهود وهو على بينة من ربه أن الله هو العامل لما هو العبد له عامل ، ولو لا ذلك ما كان التكليف ، فلا بد من نسبة في العمل للعبد ، فالنسبة إلى الخلق والعمل للحق ، فهو تشريف ، أعني إضافة العمل إليه ، سواء شعر بذلك العبد أو لم يشعر. واعلم أنه ما من عمل إلا وهو أمر وجودي ، وما من أمر وجودي إلا وهو دلالة على وجود الله وتوحيده ، سواء كان ذلك الأمر مذموما عرفا وشرعا أو محمودا عرفا وشرعا ، والتوحيد المؤثر في إزالة حكم الشريعة كمن ينسب الأفعال كلها إلى الله من جميع الوجوه ، فلا يبالي فيما يظهر عليه من مخالفة أو موافقة ، فمثل هذا التوحيد يجب التنزيه منه لظهور هذا الأثر ، فإنه خرق للشريعة ورفع لحكم الله ، فالأعمال خلق لله مع كونها منسوبة إلينا ، فلم تنسب إليه من كل الوجوه ، فإن الله تعالى خلق الأفعال كلها ، ثم قسمها إلى محمود ومذموم ، فانظر حيث يقيمك ، فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت ، فاستدرك بالإزالة والتفرغ والإنابة ، وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب ، فإن فعلت ما لا يرضي الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير ، فأنت مأجور في هذه الشركة ، بل هو حقيقة التوحيد ، فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد ، فإن لم تر العيب من نفسك ، ولا رجعت عليها بالذم ، ولا ندمت على فعلك ، لم يصح لك توبة ، وإذا لم تتب لم تكن محبوبا ولا تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا ولا في الآخرة ـ إشارة ـ كما أن الإنسان إذا ترك ما للناس عند الناس أحبه الناس ، كذلك إذا تركت ما لله عند الله ولم تطمع فيه ، ولا أضفت شيئا إلى نفسك من جميع أفعالك ، كنت على الحقيقة زاهدا وعلى التوحيد راشدا.
(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ