فلم تعرف قدرك ، وظلك لا يعترض ، فيا من هو ظله أعلم بقدره منه متى تفلح؟ ما مدّت الظلال للاستظلال ، وإنما مدّت لتكون سلّما إلى معرفة الله معك ، فأنت الظل وسيقبضك إليه ، فمن نظر إلى ظله عرف أن حكمه في الحركة والسكون من أصله ، فأراد الحق منك بهذه الآية أن تكون معه كظلك معك من عدم الاعتراض عليه فيما يجريه عليك ، والتسليم والتفويض إليه فيما تصرف فيك به ، وينبهك بذلك أن حركتك عين تحريكه ، وأن سكونك كذلك ، ما الظل يحرك الشخص ، كذلك فلتكن مع الله ، فإن الأمر كما شاهدته فهو المؤثر فيك ـ من باب الإشارة ـ الإنسان الكامل هو ظل الله في كل ما سوى الله ، وصورته في الغيب صورة الظل في الشخص الذي امتد عنه الظل ، ألا ترى الشخص إذا امتد له ظل في الأرض ، أليس له ظل في ذات الشخص الذي يقابله ذلك الظل الممتد؟ فذلك الظل القائم بذات الشخص المقابل للظل الممتد ذلك هو الأمر الذي بقي من الإنسان ، الذي هو ظل الله الممدود في الغيب ، لا يمكن خروجه أبدا وهو باطن الظل الممدود ، والظل الممدود هو الظاهر ، فظاهر الإنسان ما امتد من الإنسان فظهر ، وباطنه ما لم يفارق الغيب فلا يعلم باطن الإنسان أبدا ، وقبضه قبضا يسيرا عودته إلى غيبه ، فاعتبر في الإشارة أن الإنسان الذي لم يزل يحفظ صورة الحق في نفسه ظل له ، واعلم أن الإنسان لما كان مثال الصورة الإلهية ، كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال ، غير أنه يظهر للحس تارة ، ويخفى تارة ، فإذا خفي فهو معقول فيه ، وإذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه ، فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه ، كالظل إذا خفي في الشمس فلا يظهر ، فلم يزل الإنسان أزلا وأبدا ، ولهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأنّ له بصرا ، فلما مد الظل منه ظهر بصورته (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي ثابتا فيمن هو ظله فلا يمده ، فلا يظهر له عين في الوجود الحسي إلا لله وحده ، فلم يزل مع الله ، ولا يزال مع الله ، فهو باق ببقاء الله ، وما عدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء الله ، فالإنسان الكامل الذي لا أكمل منه هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا الكمال هو الغاية من العالم ، فحاز محمد صلىاللهعليهوسلم درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية ، والكمل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ومنزلة محمد صلىاللهعليهوسلم من العالم كله منزلة النفس الناطقة من الإنسان ، التي من دونها لا يكون إنسانا ، فحال العالم قبل ظهوره صلىاللهعليهوسلم كان بمنزلة الجسد