(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١٠٣)
اعلم أن لله عبادا أخفياء لا يعرفهم سواه ، قال فيهم صلىاللهعليهوسلم إنهم يوم القيامة يكونون على منابر من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، تغبطهم الأنبياء والشهداء ، يعني بالشهداء هنا الرسل ، فإنهم شهداء على أممهم ، وكان الاغتباط من كونهم لم يكونوا رسلا فارتاحوا ، وإن كانت الرسل أرفع مقاما منهم ، فإنهم لا يدخلهم خوف البتة ، فغبط الأنبياء والشهداء إياهم فيما هم فيه من الراحة وعدم الحزن والخوف في ذلك الموطن ، والأنبياء والرسل وعلماء هذه الأمة الصالحون الوراثون درجات الأنبياء خائفون وجلون على أممهم ، وأولئك لم يكن لهم أمم ولا أتباع ، وهم آمنون على أنفسهم مثل الأنبياء على أنفسهم آمنون لا يحزنهم الفزع الأكبر من أجل نفوسهم ، فهذه الفئة هم أولياء الله الذين لا يخافون ، لأنهم ما لهم أمم ولا أتباع يخافون عليهم ، فارتفع الخوف عنهم في ذلك اليوم في حق نفوسهم وفي حق غيرهم ، كما قال تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فقد كانوا مجهولين عند الناس فلم يكونوا في الدنيا يعرفون ، ولا في الآخرة يطلب منهم الشفاعة ، فهم أصحاب راحة عامة في ذلك اليوم ، والوجه الآخر الذي ذكرناه أنهم لم يكونوا لهم أتباع ، فإذا كان في القيامة جاءت الأنبياء والعلماء خائفة يحزنهم الفزع الأكبر في غاية من شدة الخوف على أممهم لا على أنفسهم ، والأمم والمؤمنون والعامة والعصاة خائفون على أنفسهم لما ارتكبوه من المخالفات ، وهؤلاء ما لهم أتباع يخافون عليهم ، ولا ارتكبوا مخالفة توجب لهم الخوف ، فجاءت هذه الطائفة مستريحة غير خائفة لا على نفوسهم ، ولا يحزنهم الفزع الأكبر على أممهم ، إذ لم يكن لهم أمم ، ففي مثل هذا يغبطهم النبيون والشهداء في ذلك الموقف خاصة (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أن يرتفع الحزن والخوف فيه عنكم في حق أنفسكم وحق الأمم ، إذ لم تكن لكم أمة ولا تعرفتم لأمة مع انتفاع الأمة بكم ، ففي هذا الحال تغبطهم الأنبياء المتبوعون ، فإذا أدخلوا الجنة وأخذوا منازلهم تبينت المراتب وتعينت المنازل ، وظهر عليون لأولي الألباب.
(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ