والمؤمن بما قيده به وبما أطلقه ، فعلمنا أن للإيمان خصوص وصف ، وهو التصديق تقليدا من غير دليل ، ليفرق بين الإيمان والعلم ، والمؤمن الذي اعتبره الشرع من أهل هذه الآية له علامتان في نفسه إذا وجدهما كان من المؤمنين ، العلامة الواحدة أن يصير الغيب له كالشهادة ، من عدم الريب فيما يظهر على المشاهد لذلك الأمر الذي وقع به الإيمان ، من الآثار في نفس المؤمن كما يقع في نفس المشاهد له ، فيعلم أنه مؤمن بالغيب ، والعلامة الثانية أن يسري الأمان منه في نفس العالم كله ، فيأمنوه على القطع على أموالهم وأنفسهم وأهليهم ، من غير أن يتخلل ذلك الأمان تهمة في أنفسهم من هذا الشخص ، وانفعلت لأمانته النفوس ، فذلك هو المشهود له بأنه من المؤمنين ، ومهما لم يجد هاتين العلامتين فلا يغالط نفسه ولا يدخلها مع المؤمنين ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) فمن ادعى الإيمان وزعم أن له نفسا يملكها فليس بمؤمن (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) هم الذين تولاهم الله بالقنوت ، وهو الطاعة لله في كل ما أمر به ونهى عنه ، وهذا لا يكون إلا بعد نزول الشرائع ، قال تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) أي طائعين فأمر بطاعته ، والساجدون لله على قسمين : منهم من يسجد طوعا ، ومنهم من يسجد كرها ، فالقانت يسجد طوعا ، وتصحيح طاعتهم لله وقنوتهم أن يكون الحق لهم بهذه الموازنة ، كما قال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [ومن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا] فالحق مع العبد على قدر ما هو العبد مع الحق ، ومن شرط القانت أن يطيع الله من حيث ما هو عبد الله ، لا من حيث ما وعده الله به من الأجر والثواب لمن أطاعه ، وأما الأجر الذي يحصل للقانت ، فذلك من حيث العمل الذي يطلبه لا من حيث الحال الذي أوجب له القنوت ، قال الله تعالى في القانتات من نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) فالأجر هنا للعمل الصالح الذي عملته ، وكان مضاعفا في مقابلة قوله تعالى في حقهن : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) لمكانة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولفعل الفاحشة ، كذلك ضوعف الأجر للعمل الصالح ومكانة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبقي القنوت معرى عن الأجر ، فإنه أعظم من الأجر فإنه ليس بتكليف ، وإنما الحقيقة تطلبه ، وهو حال يستصحب العبد في الدنيا والآخرة ، والقنوت مع العبودية في دار التكليف لا مع الأجر ، ذلك هو القنوت المطلوب ، والحق إنما ينظر للعبد في طاعته بعين باعثه على تلك الطاعة ، ولهذا قال تعالى آمرا :