في الرجعة إلى الله (رَحِيماً) بذلك الستر ، رحمة به لمعنى علمه سبحانه لم يعيّنه لنا ، والتبديل على وجوه : ـ الوجه الأول ـ اعلم أنه ما من كلمة يتكلم بها العبد إلا ويخلق الله من تلك الكلمة ملكا ، فإن كانت خيرا كان ملك رحمة ، وإن كانت شرا كان ملك نقمة ، فإن تاب إلى الله وتلفظ بتوبته خلق الله من تلك اللفظة ملك رحمة ، وخلع من المعنى الذي دل عليه ذلك اللفظ بالتوبة الذي قام بقلب ذلك التائب على ذلك الملك الذي كان خلقه من كلمة الشر خلعة رحمة ، وواخى بينه وبين الملك الذي خلقه من كلمة التوبة ، وهو قوله : تبت إلى الله ؛ فإن كانت التوبة عامة ، خلع على كل ملك نقمة كان مخلوقا لذلك العبد من كلمات شره خلع رحمة ، وجعل مصاحبا للملك المخلوق من لفظة توبته ، فإنه إذا قال العبد : تبت إليك من كل شيء لا يرضيك ؛ كان في هذه اللفظة من الخير جميعة كل شيء من الشر ، فخلق من هذا اللفظ ملائكة كثيرة بعدد كلمات الشر التي كانت منه ، فإن الإنسان أعطي لفظا يدل على الأفراد ، وأعطي لفظا يدل على الاثنين ، وأعطي لفظا يدل على الكثرة ، فلفظة كل تدل على الكثرة ، فعلم أن قوله «تبت إلى الله من كل شيء» ، أنه تبت إلى الله من كذا ، تبت إلى الله من كذا ، تبت إلى الله من كذا ، فلهذا خلق الله من كلمة الجمع ملائكة بعدد ما تعمه تلك الكلمة ، وإنما قلنا بأن الملائكة المخلوقة من كلمة الشر يخلع عليها خلع الخير ، وترجع ملائكة رحمة في حق هذا التائب ، ويصاحب بينها وبين الملائكة المخلوقة من لفظة التوبة عن ذلك الشر ، لقوله تعالى (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) فجعل التبديل في عين السيئة ـ الوجه الثاني ـ من أنسأ الله في أجله بعد توبته فعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات ، أي ما كان يتصرف به من السوء عاد يتصرف فيه حسنا ، فبدّل الله فعله بما وفقه إليه من طاعته ورحمته ، وغفر له جميع ما كان وقع منه قبل ذلك ، ولم يؤاخذه بشيء منه. ـ الوجه الثالث ـ في حق أهل الشهود الذي يرون ويشهدون الأفعال كلها لله ، فما كان من حسن أضافوه إليه تعالى خلقا فيهم ، وأضافوه إليهم من كونهم محلا لظهوره ، وإن كان سيئا أضافوه إليهم بإضافة الله ، فيكونون حاكين قول الله ، فيريهم الله حسن ما في ذلك المسمى سوءا بأن يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة ، وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع ، فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحكام ، وهو الدار الآخرة ، رأى عند كشف الغطاء حسن ما في الأعمال كلها ، لأنه ينكشف له أن العامل هو الله لا غيره ،