أربعة أركان ، توقد من شجرة هويته ، مباركة فهي لا شرقية ولا غربية ، لا تقبل الجهات ، ومباركة في خط الاعتدال منزهة عن تأثير الجهات ؛ وعن هذه الزيتونة يكون الزيت وهو المادة لظهور هذا النور ، فالخامس للأربعة هو الهوية وهو الزيتونة المنزهة عن الجهات كنّى عنها بالشجرة ، من التشاجر ، وهو التضاد لما تحمله هذه الهوية من الأسماء المتقابلة كالمعزّ والمذلّ والضار والنافع ؛ فهي الخزانة للإمداد الإلهي للوجود الظاهر كله ، إمدادا باطنا بطون الزيت في الشجرة ، وقولنا مثل على الوجود القائم على التربيع ، فإن الحصر منع أن يكون سوى هذه الأربعة ، فهو القائل تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) فهي أربعة لا خامس لها إلا هويته ، فما ثمّ في العالم حكم إلا من هذه الأربعة (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ) نور المصباح ظاهر يمده نور باطن في زيت ، أي نور من نور ، فأبدل حرف من بعلى لما يفهم به من قرينة الحال ، وقد تكون على على بابها ، فإن نور السراج الظاهر يعلو حسا على نور الزيت الباطن وهو الممدّ للمصباح ، فلو لا رطوبة الدهن تمد المصباح لم يكن للمصباح ذلك الدوام ، وكذلك إمداد التقوى للعلم العرفاني الحاصل منها في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ـ الوجه الثاني ـ لله في قلب العبد عينان : عين بصيرة تنظر بالنور الذي يهدي به وهو علم اليقين ، وعين اليقين تنظر بالنور الذي يهدي إليه وهو نور اليقين ، فإذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليه ، عاين الإنسان ملكوت السموات والأرض ، ولا حظ سر القدر كيف تحكم في الخلائق ، وهو قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) لذلك قال تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) وهو نور اليقين الذي تنظر به عين اليقين ـ الوجه الثالث ـ نور الشرع صورة سراج مصباح لا تحركه الأهواء لكونه في مشكاة ، ومشكاته الرسول ، فهو محفوظ من الأهواء التي تطفيه ، وذلك المصباح في زجاجة قلبه ، وجسمه المصباح واللسان ترجمته ، والإمداد الإلهي زيته ، والشجرة حضرة إمداده ، فقال تعالى : (نُورُ) وهو النور المجعول (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وهو الشرع الموحى به (عَلى نُورٍ) وهو النور الذاتي ، فاجتمع نور البصر مع النور الخارج وهو الشرع (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) وهو أحد النورين ، والنور الواحد مجعول بجعل الله على النور الآخر فهو حاكم عليه ، والنور المجعول عليه هذا النور متلبس به مندرج فيه ، فلا حكم إلا للنور المجعول وهو الظاهر ، وهذا حكم نور الشرع على نور العقل.