الله عنده ، ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده جعله الله بصيرا ، فالأسباب كلها ظلمات على عيون المسببات ، وفيها هلك من هلك من الناس ، فالعارفون يثبتونها ولا يشهدونها ، ويعطونها حقها ولا يعبدونها ، وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس ، يعبدونها ولا يعطونها حقها ، بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها ، والعالم لم يزل في المعنى تحت تأثير الأسباب ، فإن الأسباب محال رفعها ، وكيف يرفع العبد ما أثبته الله ليس له ذلك ، ولكن الجهل عم الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، بالروح الموحى من أمر الله ، فيهدي به من يشاء من عباده ، فقد أثبت الهداية بالروح ، وهذا وضع السبب في العالم ، فالوقوف عند الأسباب لا ينافي الاعتماد على الله ، ولهذا جعل سبحانه الأسباب مسببات لأسباب غيرها من الأدنى حتى ينته فيها إلى الله سبحانه ، فهو السبب الأول لا عن سبب كان به ، فالقلب في الصدور هو الرجوع لا واحد الصدور ، فإنا عن الحق صدرنا من كوننا عنده في الخزائن ، كما أعلمنا فعلمنا ، فهو صدور لم يتقدّمه ورود ، فالحق المعتقد في القلب هو إشارة إلى القلب ، فاقلب تجد ما ثبت في المعتقد ، فقوله تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) على الوجهين الواحد من الوجهين للحصر وهي الصدور المعلومة والثاني للرجوع إلى الحق ، ومن وجه آخر تعمى القلوب التي في الصدور عن الحق والأخذ به ، فلو كانت غير معرضة عن الحق مقبلة عليه لأبصرت الحق فأقرت له بالربوبية في كل شيء ، فلما صدرت عن الحق بكونها ولم تشهده في عينها عميت في صدورها عمن أوجدها ، فإن عمى القلوب أشد من عمى الأبصار ، فإن عمى القلوب يحول بينك وبين الحق ، وعمى البصر الذي لم يرقط صاحبه ليس يحول إلا بينك وبين الألوان خاصة ، ليس له إلا ذلك ، وهذا العمى من الحجب التي احتجب بها الخلق عن الله ، وكذلك الصمم والقفل والكن.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧)
يعني من أيامنا هذه المعلومة المعروفة وهو هذا اليوم الصغير الذي من شروق الشمس إلى شروق الشمس ، فبهذا الليل والنهار الموجودين في المعمور من الأرض بهما تعد أيام الأفلاك