(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (٥٠)
الملائكة رسل من الله إلى الإنسان ، موكلون به حافظون كاتبون أفعالنا ، والشياطين مسلطون على الإنسان بأمر الله ، فهم مرسلون إلينا من الله ، فلما شرّك بينهم في الرسالة أدخل تعالى إبليس في الأمر بالسجود مع الملائكة فقال (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فأدخله معهم في الأمر بالسجود فصح الاستثناء ، وجعله منصوبا بالاستثناء المنقطع ، فقطعه عن الملائكة كما قطعه عنهم في خلقه من نار ، (كانَ مِنَ الْجِنِّ) أي من الذين يستترون عن الإنس مع حضورهم معهم فلا يرونهم ، كالملائكة ، وليس إبليس أول الجن بمنزلة آدم من الناس ، بل هو واحد من الجن ، وإن الأول فيهم بمنزلة آدم في البشر إنما هو غيره ، ولذلك قال تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ) أي من هذا الصنف من المخلوقين ، كما كان قابيل من البشر وكتبه الله شقيا ، فهو أول الأشقياء من البشر ، وإبليس أول الأشقياء من الجن (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وهو قوله تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) فهو من الفاسقين الخارجين عن أمر الله ، فسماه كافرا.
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١)
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) وهو حال الفعل عند تعلق الفاعل بالمفعول ، وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول ، وكل من رام الوقوف نكص على عقبه ورجع إلى مذهبه ، وقد قال تعالى في أنفسهم وأقدسهم حين قال (رب أرني كيف تحيي الموتى) فلما أراه آثار القدرة لا تعلقها عرف كيفية الأشياء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا ، ولا رأى تعلق القدرة ولا تحققها ، فقد تفرد الحق بسر نشأة خلقه ونشره ، فإنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك ، فلا فعل لأحد