وتلك الأقسام من الظاهر والنص والمفسّر والمحكم متداخلة ، وتغايرها بالمفهوم عند المتقدمين ، والتباين المعتبر بينها عند المتأخرين مشروح في محلّه ، ولا شأن لنا به هنا.
وظنيّة الظاهر إنما هي عند وجود ما يدلّ على الاحتمال الآخر ، وإلا فحكمه حكم النصّ في القطع بالمراد منه ، بل عند تضافر الظواهر الظنية على معنى ، يحصل القطع بذلك المعنى ، كما هو الحال في خبر الآحاد المفيد للظن ؛ فإنّ الأخبار إذا تواردت على معنى حصل اليقين بذلك المعنى.
ثم الظاهر : إما ظاهر بالوضع ، وإما ظاهر بالدليل ، كما في «التمهيد» لأبي الخطّاب محفوظ بن أحمد الكلواذي ، فتبيّن أن الظاهر ليس بقطعيّ مطلقا ، ولا ظنيّ مطلقا ، وأنّ الظواهر في الرفع والنزول قطعيّة لتضافر الأدلة وعدم وجود ما يدلّ على الاحتمال الآخر.
وبعد هذا الاستطراد اليسير أعود فأقول : إنّ الأساتذة القائمين بالذب عن عقيدة الجماعة ، لم يدعوا قولا لقائل في تبيين وجوه دلالة كتاب الله على المسألة ، فجزاهم الله عن العلم خيرا ، لكنّ الشيخ لما رأى أنّ قلمه طوع بنانه لا يتمرّد عليه فيما يريد أن يودعه الطّروس ، ولسانه لا يعاكسه فيما يشاء أن يفوه به ، والجماعة أطوع له من ظلّه : أصرّ على مخالفة الأمّة ، فأخذ يسترسل ويكتب ويتكلّم بكل هاجسة في نفسه ، ظنا منه أنّ الأعزل من الحجّة يكسب في معمعة الحجاج شيئا غير الموت الأدبي ، وأنه يتمكن ـ ولو إلى حين ـ من تغطية الحق وترويج الباطل بين فئام عهد انخداعهم بشغبه ومغالطته.
لكن خاب حدسه ، وضاع نفسه وسعيه في إظهار عقيدة المسلمين المتوارثة ، بمظهر اعتقاد الجماهير الجهلة الطّغام ، وتصويره للذابّين عنها بصورة عبدة المادّة النّفعيّين المجارين لأهواء العامّة الجهلة ، مما يدلّ على أنه ممن يرون دينا للعامة ، ودينا للخاصة ، وأنه إنما يحكي للناس عما يرى في مرآة ينظر هو فيها ، ولسنا نعيش في غير هذه الكرة حتى تجهلنا الأمّة وتجهله.
يكون المناضل عن عقيدة الجماعة على ضلال!! والخارج عليها المنشقّ على هدى!! فسبحان الفتّاح العليم ، هكذا يكون المنصف صاحب الضمير الحي ، والمصلح الموجّه للنّشء!! ولسنا نطمع في سكوته عن الباطل. وإسكاته بيد الله القاهر ، وإنما نريد صون المجتمع من تشكيكاته ، وقد فعلنا بتوفيق الله سبحانه.